للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فصل

وهذه السجدة (١) من عزائم سجود التلاوة، وفي موضع السجود فيها قولان للعلماء: وهما وجهان لأصحاب الشافعي:

أحدهما: أنه عند قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وهو قول ابن مسعود والحسن، وحكاه الرافعي عن أبي حنيفة وأحمد؛ لأنَّ ذكر السجدة قُبيله.

والثاني: وهو الأصح عند أصحاب الشافعي، وكذلك نقله الرافعي أنه عند قوله تعالى: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} وهو قول ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيِّب وقتادة، وحكاه الزمخشري عن أبي حنيفة؛ لأنَّ عنده يتمّ الكلام.

٣٩ - ولما ذكر الدلائل الفلكية .. أتبعها بذكر الدلائل الأرضية، فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ} الدالة على قدرته تعالى ووحدانيته {أَنَّكَ} يا محمد أو أيها الناظر، فالخطاب هنا لكل من يصلح له أو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - {تَرَى الْأَرْضَ} وتبصرها حال كونها {خَاشِعَةً}؛ أي: يابسةً جدبةً فارغةً من النبات، مستعار من الخشوع بمعنى التذلل {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ} والمطر {اهْتَزَّتْ}؛ أي: تحركت بالنبات {وَرَبَتْ}؛ أي: انتفخت وعلت قبل أن تنبت لأنّ النبت إذا دنا أن يظهر .. ارتفعت له الأرض وانتفخت، ثم تصدّعت عن النبات؛ أي: انشقّت.

وعلى هذا في الكلام تقديم وتأخير (٢)، والتقدير: فإذا أنزلنا عليها الماء .. ربت واهتزّت؛ أي: انتفخت وتحركت بالنبات، وقيل: الاهتزاز والربو قد يكونان قبل خروج النبات، وقد يكوننان بعده. وقيل: اهتزّت: استبشرت بالمطر، وربت انتفخت بالنبات.

وقرأ أبو جعفر وخالد {وربأت} بالهمزة {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا} بما ذكر بعد موتها. والاحياء في الحقيقة: إعطاء الحياة، وهي صفة تقتضي الحسّ والحركة، فالمراد بإحياء الأرض: تهييج القوى النامية فيها، وإحداث نضارتها بأنواع النباتات؛ أي: إن الإِله الذي أحيا الأرض بالنبات بعد يبسها وجدبها {لَمُحْيِ الْمَوْتَى} بالبعث والنشور {إِنَّهُ} سبحانه {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} من الأشياء التي من جملتها الإحياء


(١) الخازن.
(٢) الشوكاني.