للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعني: أمرت أن أعدل بينكم، والأول أولى. والظاهر (١): أن الآية عامة في كل شيء، المعنى: أمرت لأعدل بينكم في كل شيء {اللَّهُ} سبحانه وتعالى {رَبُّنَا}؛ أي: معبودنا وخالقنا ومتولي أمورنا {وَرَبُّكُمْ}؛ أي: ومعبودكم وخالقكم ومتولي أموركم أيضًا، لا الأصنام والهوى، فنحن نقر بذلك اختيارًا، وأنتم وإن لم تفعلوه، فله يسجد من في السموات والأرض، طوعًا وكرهًا {لَنَا} لا لكم {أَعْمَالُنَا} لا يتخطانا جزاؤها، ثوابًا كان أو عقابًا {وَلَكُمْ} لا لنا {أَعْمَالُكُمْ} لا يجاوزكم آثارها لا ننتفع بحسناتكم، ولا تضرنا سيئاتكم، ونحو الآية قوله: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}. {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ}؛ أي: لا حجاج ولا خصومة بيننا وبينكم، لأن الحق قد ظهر ووضح وليس للمحاجة مجال في المخالف إلا معاند أو مكابر، وسيأتي الوقت الذي يستبين فيه الحق، ويتضح فيه سبيل الرشاد، وإلى ذلك أشار بقوله: {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا} وبينكم يوم القيامة في المحشر، فيقضي بيننا بالحق فيما اختلفنا فيه، ومثل الآية قوله تعالى: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦)}. {وَإِلَيْهِ} سبحانه وتعالى، لا إلى غيره {الْمَصِيرُ}؛ أي: المرجع والمعاد بعد مماتنا يوم الحساب، فيجازي كل نفس بما كسبت {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨) قيل: الخطاب لليهود، وقيل: للكفار على العموم.

وهذه الأوامر والنواهي (٢)، وإن وجهت في الظاهر إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فهي له ولأمته، كما هي القاعدة من أن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر لأمته، إلا إذا ورد دليل على التخصيص، قيل: هذه الآية منسوخة بآية السيف، وقيل (٣): ليس في الآية إلا ما يدل على المتاركة في المقاولة، لا مطلقًا، حتى لا تكون منسوخة بآية القتال، يعني: هذه الآية إنما تدل على المتاركة القولية، لحصول الاستغناء عن المحاجة القولية معهم؛ لأنهم قد عرفوا صدقه من الحجج، وإنما كفروا عنادًا، وبعدما ظهر الحق وصاروا محجوجين كيف يحتاج إلى المحاجة القولية، فلا يبقى بعد


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.