للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما بين فيما سلف، أنه يجيب دعاء المؤمنين إذا هم أنابوا إليه وأخبتوا .. ذكر هنا أنه لا يعطيهم كل ما يطلبون من الأرزاق، بل ينزلها بقدر بحسب ما يعلم من مصلحتهم، فإن كثرة الرزق تجعل الناس يتجبرون ويتكبرون، والله هو الخبير بما يصلح حالهم من فقر وغنى.

قال خباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية، نظرنا إلى أموال بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع، فتمنيناها، ثم أعقب هذا بأنهم إذا احتاجوا إلى الرزق، لا يمنعه منهم، وهو المتولي أمورهم بإحسانه، المحمود على ما يوصل للخلق من صنوف الرحمة، ثم أقام الأدلة على ألوهيته بخلقه للسموات والأرض وما فيهما من الحيوان، ثم جمعهم للحساب يوم القيامة، ثم ذكر أن ما يصيب الإنسان من نكبات الدنيا، من الأمراض والأسقام والفقر والغنى، فبكسب الإنسان واختياره، كما دلت على صدق ذلك التجارب، ثم أعقب ذلك، بآية أخرى على ألوهيته، وهي جريان السفن في البحار، فتارة بجعل الريح ساكنة، فتظل السفن على سطحها، وأخرى تعصف الرياح فتفرقها، أو تنجو بحسب تقديره تعالى.

قوله تعالى: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (١) دلائل توحيده، وعظيم قدرته وسلطانه، بخلق السموات والأرض وجري السفن ماخرات في البحار .. أردف ذلك بالتنفير من الدنيا وزخرفها؛ لأن المانع من النظر في الأدلة، إنما هو الرغبة فيها، طلبًا للرياسة والجاه، فإذا صغرت الدنيا في عين المرء، لم يلتفت إليها، وانتفع بالأدلة ووجه النظر إلى ملكوت السموات والأرض، ثم أبان أن ما عند الله خير لمن آمن به، وتوكل عليه واجتنب كبائر الذنوب والفواحش، وكان منقادًا له، مطيعًا لأوامره، تاركًا لنواهيه وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يبرم أمرًا إلا بعد


(١) المراغي.