للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قصاصًا؛ لأن إهدارها يوجب فتح باب الشرور والمفاسد، إذ في طبع الإنسان الظلم والبغي والعدوان، فإذا لم يزدجر عنه تمادى فيه ولم يتركه، والزيادة على قدر الذنب ظلم، والشرائع تنزه عن ذلك، ومن ثم شرع الله القصاص، وندب إلى الفضل، وهو العفو، فقال: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ}.

وعن بعض الفقهاء في هذه الآية (١): وقد قيل: إنه الشافعي رحمه الله تعالى: أن للإنسان أن يأخذ من مال من خانه، مثل ما خانه من غير علمه، واستشهد على ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند، زوجة أبي سفيان: "خذي من ماله ما يكفيك وولدك"، فأجاز لها أخذ ذلك بغير إذنه، كذا ذكره القرطبي في "تفسيره".

وجاء تتمة لهذه الآية، قوله: {فَمَنْ عَفَا} عن المسيء إليه جنايته؛ أي: ترك القصاص وسامح له {وَأَصْلَحَ} ما بينه وبين من يعاديه، بالعفو والإغضاء عما صدر منه، قال في "الحواشي السعدية": الفاء للإفصاح؛ أي: إذا كان الواجب في الجزاء رعاية المماثلة من غير زيادة، وهي عسرة جدًّا، وأردتم بيان ما هو الأولى، فأقول: الأولى العفو، والإصلاح، إذا كان قابلًا للإصلاح بأن لم يصر على البغي. وفي الحديث: "ما زاد الله العبد بالعفو إلا عزًا".

{فَأَجْرُهُ}؛ أي: فأجر عفوه وإصلاحه حق واجب {عَلَى اللَّهِ} سبحانه وتعالى، بطريق وعده المحتوم، فيجزيه أعظم الجزاء، وهذه عدة منبئة عن عظمة شأن الموعود، وخروجه عن الحد المعهود، وفي إبهام (٢) الأجر وجعله حقًا على العظيم الكريم جل شأنه، زيادة في الترغيب في العفو والحث عليه، أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان يوم القيامة، أمر الله مناديًا ينادي: ألا، ليقم من كان له على الله أجر، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا وذلك قوله: {فَمَنْ عَفَا ...} " الآية.

ثم ذكر سبحانه خروج الظلمة عن محبته، التي هي سبب الفوز والنجاة،


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.