للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حوشب، وفي قراءة أبي {وإنك لتدعو}.

٥٣ - ثم بين الصراط المستقيم بقوله: {صِرَاطِ اللَّهِ} بدل من الصراط الأول، وفي إضافة الصراط إلى الاسم الشريف، من التعظيم له، والتفحيم لشأنه ما لا يخفى ووصف الجلالة بقوله: {الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} خلقًا وملكًا وعبيدًا لتقرير استقامته، وتأكيد وجوب سلوكه، فإن كون جميع ما فيهما من الموجودات له تعالى، خلقًا وملكًا وتصرفًا، مما يوجب ذلك أتم إيجاب.

وقال بعضهم (١): معنى الآية: دعونا يا محمد أقوامًا في الأزل، فأجابوا، فأنت تهديهم إلينا وتدلهم علينا، وإنما كان عليه السلام هاديًا؛ لأنه نور كالقرآن، ولمناسبة نوره مع نور الإيمان والقرآن قيل: كان خلقه القرآن.

وحاصل المعنى: أي هذا الطريق، هو الطريق الذي شرعه الله، مالك السموات والأرض والمتصرف فيهما، والحاكم الذي لا معقب لحكمه.

{أَلَا} كلمة تذكرة لتبصرة، أو تنبيه لحجة {إِلَى اللَّهِ} سبحانه وتعالى لا إلى غيره {تَصِيرُ الْأُمُورُ}؛ أي: ترجع أمور ما فيهما قاطبةً بارتفاع الوسائط والتعلقات، يعني: يوم القيامة، فيحمل لفظ تصير على الاستقبال؛ أي: انتبهوا وتذكروا أن أمور الخلائق يوم القيامة تصير إلى الله، لا إلى غيره، فيضع كلًّا منهم في موضعه الذي يستحقه من نعيم أو جحيم، وفي هذا وعد للمهتدين إلى الصراط المستقيم ووعيد للظالمين، وفيه وعد بالبعث المستلزم للمجازاة. وقال في "بحر العلوم": إلى الله سبحانه، تصير أمور الخلائق كلها، في الدنيا والآخرة، فلا يدبرها إلا هو، حيث لا يخرج أمر من الأمور من قضائه وتقديره.

وعن سهل بن أبي الجعد: احترق مصحف، فلم يبق إلا قوله تعالى: {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} وغرق مصحف، فانمحى كل شيء إلا ذلك، كذا في "عين المعاني" للسجاوندي انتهى "قرطبي".


(١) روح البيان.