للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القرين وإن كان من حيث المعنى صالحًا للجمع. وقرأ الأعمش (١) والأعرج وعيسى وابن محيصن والأخوان - حمزة والكسائي - {جاءنا} على الإفراد، والضمير عائد على لفظ {من}، أعاد أولًا على اللفظ، ثم جمع على المعنى، ثم أفرد على اللفظ، ونظير ذلك: قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} أفرد أولًا، ثم جمع في قوله: {خَالِدِينَ}، ثم أفرد في قوله: {رِزْقًا}.

رُوي: أنهما يجعلان يوم البعث في سلسلة، فلا يفترقان حتى يصيرهما الله تعالى إلى النار {قَالَ} العاشي الكافر، مخاطبًا لشيطانه {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ}؛ أي: يا هذا القرين، أتمنى لو كان بيني وبينك في الدنيا بعد كالبعد الذي بين المشرق والمغرب، حتى لا تصدني عن سبيل الله سبحانه، أو تمنى ذلك في الآخرة وهو الظاهر؛ لأنه جواب إذا التي للاستقبال؛ أي: بعد المشرق من المغرب والمغرب من المشرق، فغلب المشرق فثناهما، كما قالوا: العمران في أبي بكر وعمر، والقمران في الشمس والقمر، واختار تغليب المشرق على المغرب لمناسبة الشيطان؛ لأنه حيث يطلع قرن الشيطان، كما في الحديث الصحيح. وقال مقاتل: أي مشرقي الشمس، مشرقها في أقصر يوم من السنة، ومشرقها في أطول يوم من السنة، قاله ابن السائب أيضًا، يعني: أن بينهما بعد مشرق أطول يوم في السنة، من مشرق أقصر يوم في السنة، والأول (٢) أولى، وبه قال الفراء {فَبِئْسَ الْقَرِينُ}؛ أي: الصاحب المقارن لي، والمخصوص بالذم محذوف؛ أي: أنت أيها الشيطان.

والمعنى (٣): أي يستمر العاشون على ما ذكر من مقارنة الشياطين، حتى إذا وافى الكافر يوم القيامة إلينا، وعرض عليها، أعرض عن قرينه، الذي وكل به، وتبرأ منه، وقال: ليت بيني وبينك بعدما بين المشرق والمغرب، فبئس القرين، أنت أيها الشيطان؛ لأنك قد أضللتني وأوصلتني إلى هذا العذاب المهين،


(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.