للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرناؤكم، كما كان ينفع في الدنيا الاشتراك في المهام الدنيوية، إذ يتعاونون في تحمل أعبائها، ويتقاسمون شدتها وعناءها، فإن لكل منهم من العذاب ما لا تبلغه طاقته ولا قدرة له على احتماله

وقد يكون المعنى: ولن ينفعكم ذلك من حيث التأسي، فإن المكروب في الدنيا يتأسى ويستروح بوجدان المشارك في البلوى، فيقول أحدهم: لي في البلاء والمصيبة أسوة، فيسكن ذلك من حزنه، كما قالت الخنساء ترثي أخاها صخرًا:

يُذَكِّرُنِيْ طُلُوْعُ الشَّمْسِ صَخْرَا ... وَأَذْكرُهُ بِكُلِّ مَغِيْبِ شَمْسِ

فَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِيْن حَوْلِيْ ... عَلَى إِخْوانِهِمْ لقَتَلْتُ نَفْسِيْ

وَمَا يَبْكوْنَ مِثْلَ أَخِيْ وَلَكِنْ ... أعَزِّيْ النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّيْ

وقصارى ذلك: أنه لا يخفف عنهم بسبب الاشتراك شيء من العذاب، إذ لكل منهم الحظ الأوفر منه، وقد يكون المعنى: ولن ينفعكم اليوم الاعتذار والندم، فأنتم وقرناؤكم مشتركون في العذاب، كما كنتم مشتركين في سببه في الدنيا،

٤٠ - ولما وصفهم فيما سلف بالعشى، وصفهم هنا بالعمى والصمم، من قبل أن الإنسان لاشتغاله بالدنيا يكون كمن حصل بعينه ضعف في البصر، وكلما زاد انهماكه فيها، كان ميله إلى الجسمانيات أشد، وإعراضه عن الروحانيات أكمل، فقال: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} الهمزة فيه للاستفهام الإنكاري التعجبي، داخلة على مقدر يقتضيه المقام. والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أأنت تتعب نفسك يا محمد، في دعاء قومك إلى التوحيد، فأنت تسمع الحق الصم؛ أي: الذين تصامّوا عن سماعه {أَوْ تَهْدِي} وترشد إلى الحق {الْعُمْيَ}؛ أي: الذين تعاموا عن إبصاره {و} تهدي {مَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}؛ أي: بين لا يخفى على أحد؛ أي: ومن كان في علم الله، أنه يموت على الضلالة، فهو معطوف على العمى، باعتبار تغاير الوصفين؛ أي: أنت لا تسمعهم؛ أي: لا ينتفعون بسماعك، يشير (١) إلى أن من سددنا بصيرته، ولبسنا عليه رشده، ومن


(١) روح البيان.