للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفائدة هذا المجاز: التنبيه على أن المسؤول عنه، عين ما نطقت به ألسنة الرسل، لا ما يقوله أممهم وعلماؤهم من تلقاء أنفسهم {أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}؛ أي: هل حكمنا بعبادة الأوثان، وهل جاءت في ملة من مللهم، والمراد به: الاستشهاد بإجماع الأنبياء على التوحيد، والتنبيه على أنه ليس بباع ابتدعه، حتى يكذب ويعادى له، فإنه أقوى ما حملهم على التكذيب والمخالفة.

قال ابن الشيخ: السؤال يكون لرفع الالتباس، ولم يكن رسول الله يشك في ذلك، وإنما الخطاب له والمراد غيره، قالت عائشة - رضي الله عنها -: لما نزلت هذه الآية، قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنا بالذي أشك، وما أنا بالذي أساس".

والمعنى (١): أي واسأل أمم من أرسلنا من قبلك من الرسل، هل حكمنا بعبادة غير الله؟ وهل جاء ذاك في ملة من الملل، أو المراد بهذا الاستشهاد بيان إجماع المسلمين على التوحيد، والتنبيه على أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ليس ببدع من بين الرسل في الأمر، حتى يكذب ويعادى له؟

وقصارى ذلك: أن الرسل جميعًا دعوا إلى ما دعا إليه، من عبادة الله وحده لا شريك له، ونهوا عن عبادة الأصنام، ونحو الآية: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}. وجعل الزمخشري السؤال في الآية مجازًا على النظر في أديانهم، والفحص عن مللهم، على أنه نظير قولهم: سل الأرض من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك.

وللآية وجه آخر (٢)، بحملها على ظاهرها من غير تقدير مضاف، وهو ما روى أنه - صلى الله عليه وسلم -، لما أُسري به إلى المسجد الأقصى، حشر إليه الأنبياء، والمرسلون من قبورهم، ومثلوا له، فأذّن جبرائيل، ثم أقام، وقال: يا محمد تقدم فصل بإخوانك الأنبياء والمرسلين، فلما فرغ من الصلاة، قال له جبرائيل: زعمت قريش، أن لله شريكًا، وزعمت اليهود والنصارى، أن لله ولدًا، سل يا محمد، هؤلاء النبيين، هل كان لله شريك؟ ثم قرأ {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا}


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.