للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٥٩ - ثم بين أن عيسى عبد من عبيده، الذين أنعم الله عليهم بقوله: {إِنْ هُوَ}؛ أي: ما عيسى بن مريم {إِلَّا عَبْدٌ} مربوب {أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} بفضلنا (١) عليه بالنبوة، أو بخلقه بلا أب، أو بقمع شهوته لا ابن الله، والعبد لا يكون مولى ولا إلهًا، كالأصنام {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا} أي: آية وعبرة {لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} يعرفون به قدرة الله سبحانه حيث خلقه من غير أب، وكان يحيي الموتى، ويبرىء الأكمه والأبرص، وكل مريض؛ أي: جعلناه أَمرًا عجيبًا حقيقًا، بأن يسير ذكره، كالأمثال السائرة.

والمعنى (٢): أي ما عيسى بن مريم إلا عبد أنعمنا عليه بالنبوة وروادفها، فهو رفيع المنزلة على القدر، وقد جعلناه آية على قدرتنا، بأن خلقناه من غير أب وشرفناه بالنبوة، وصيرناه عبرة سائرة تفتح للناس باب التذكر والفهم، وليست مخالفة العادة بموجبه لعبادته كما يزعم النصارى، بل مذكرة بعبادة الخالق الحكيم

٦٠ - {وَلَوْ نَشَاءُ} {لو} للمضي، وإن دخل على المضارع ولذا لا يجزمه، ويتضمن {لَوْ} معنى الشرط؛ أي: ولو شئنا {لـ} أهلكناكم يا كفار مكة و {جعلنا} بدلًا {مِنْكُمْ مَلَائِكَةً} يسكنون {فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} عنكم؛ أي: يكونون خلفًا عنكم يعمرون الأرض، ويعبدونني، ويطيعونني، ومقصود الآية: أنا لو شئنا لأسكنا الملائكة الأرض، وليس في إسكاننا إياهم السماء شرف حتى يعبدوا، أو يقال لهم: بنات الله، قاله السدي. ونحوه عن مجاهد.

وقيل المعنى (٣): ولو شئنا {لَجَعَلْنَا}؛ أي: أولدنا؛ أي: لخلقنا بطريق التوالد {مِنْكُمْ} وأنتم رجال من الإنس ليس من شأنكم الولادة. كما ولدنا حواء من آدم، وعيسى من غير أب، وإن لم تجر العادة بذلك {مَلَائِكَةً} كما خلقناهم بطريق الإبداع {فِي الْأَرْضِ} مستقرين فيها كما جعلناهم مستقرين في السماء {يَخْلُفُونَ}؛ أي: يخلفونكم، ويصيرون خلفاء بعدكم مثل أولادكم فيما تأتون وتذرون، ويباشرون الأفاعيل المنوطة بمباشرتكم، مع أن شأنهم التسبيح، والتقديس في السماء، فمن شأنهم بهذه المثابة بالنسبة إلى القدرة الربانية، كيف


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.