للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: المرادُ: أنه يبين لهم مما اختلفوا فيه ما يحتاجونه دون ما لا يحتاجونه، وقال أبو عبيدة: المراد بالبعض: الكل، كما في قوله: يصبكم بعض الذي يعدكم، ورده الناس عليه، وقال مقاتل: هو كقوله: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} أي: في الإنجيل من لحم الإبل والشحم من كل حيوان، وصيد السمك يوم السبت من كل ما حرم عليهم في التوراة.

والمعنى (١): ولما جاءهم عيسى بالمعجزات الواضحة قال: قد جئتكم بالشرائع التي فيها صلاح البشر، ولأبين لكم بعض ما اختلف فيه قوم موسى، من أحكام الدين دون أمور الدنيا، كطرق الفلاحة والتجارة، فإن الأنبياء لم يبعثوا لبيانها، كما يشير إلى ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - حين نهاهم عن تأبير النخل - تلقيحه بطلع الذكر - ففقد الثمر ولم يغل شيئًا نافعًا: "أنتم أعلم بأمور دنياكم، وأنا أعلم بأمور دينكم".

ولما بين لهم أصول الدين وفروعه قال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ} سبحانه وتعالى؛ أي: اتقوا عقابه في مخالفتي أن يحل بكم {وَأَطِيعُونِ}؛ أي: أطيعوني فيما أبلغه عنه تعالى من الشرائع والتكاليف، فإن طاعتي طاعة الله سبحانه وتعالى، كما قال من يطع الرسول فقد أطاع الله.

٦٤ - ثم فصل ما يأمرهم به بقوله: {إِنَّ اللَّهَ} الذي يستحق إفراده بالألوهية، وإخلاص العبادة له {هُوَ رَبِّي} ومالكي {وَرَبُّكُمْ} ومالككم، فأنا وأنتم عبيد له فقراء إليه، فخصوه بالعبادة والتوحيد، وهذا بيان (٢) لما أمرهم بالطاعة فيه، وهو اعتقاد التوحيد، والتعبد بالشرائع {هَذَا} الذي جئتكم به من التوحيد، والتعبد بالشرائع، {صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} لا يضل سالكه، وكل الديانات جاءت بمثله، فما هو إلا اعتقاد بوحدانية الله تعالى، وتعبد بشرائعه، وفي "التأويلات النجمية": فاعبدوه ولا تعبدوني، فإني في العبودية شريك معكم، وإنه متفرد بربوبيته إيانا، وتعبدنا إياه صراط مستقيم لا اعوجاج فيه، وهذا تتمة كلام عيسى عليه السلام،


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.