للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبعد أن فصل بعض ما في الجنة من نعيم، عمم في ذلك فقال: {وَفِيهَا}؛ أي: وفي الجنة {مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ} وتطلبه؛ أي: أنفس أهل الجنة من فنون الملاذ والمشتهيات النفسانية، كالمطاعم والمشارب والمناكح والملابس، والمراكب، ونحو ذلك. وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وابن عامر وابن عباس وحفص: {تَشْتَهِيهِ} بإثبات الضمير العائد على الموصول، وقرأ الجمهور (١)، وباقي السبعة: بحذف الهاء.

قال في "الأسئلة المقحمة": أهل الجنة هل يعطيهم الله جميع ما يسألونه، وتشتهي أنفسهم ولو اشتهت أنفسهم شيئًا من مناهي الشريعة كيف يكون حاله؟

والجواب: معنى الآية أن نعيم الجنة كله مما تشتهيه الأنفس، وليس فيها ما لا تشتهيه النفوس، ولا تصل إليه، وقد قيل: يعصم الله سبحانه أهل الجنة من شهوة محالٍ، أو منهي عنه، يقول الفقير: دل هذا على أنه ليس في الجنة اللواطة المحرمة في جميع الأديان والمذاهب، ولو في دبر امرأته، فإن الإِمام مالكًا رحمه الله تعالى رجع عن تجويز اللواطة في دبر امرأته، وليس فيها اشتهاء اللواطة، لكونها مخالفة للحكمة الإلهية، وقد جوزها بعضهم في "شرح الأشباح"، وغلط فيه غلطًا فاحشًا، وأما الخمر فليست كاللواطة لكونها حلالًا على بعض الأمم.

والحاصل: أنه ليس في الجنة ما يخالف الحكمة كائنًا ما كان، ولذا تستر فيها الأزواج عن غير محارمهن، وإن كان لا حل ولا حرمة هناك؛ أي: وفيها (٢) ما تشتهيه الأنفس من الأشياء المعقولة والمسموعة والملموسة، جزاءً لهم بما منعوا أنفسهم من الشهوات في الدنيا {وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ}؛ أي: تستلذه الأعين، وتقر بمشاهدته من الأشياء المبصرة، جزاء ما تحملوه من منع أعينهم، من نظر ما لا يجوز شرعًا، وفي مصحف عبد الله: {ما تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين} بإثبات الهاء فيهما.


(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.