للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أنا أرسلنا إليكم الرسل، وأنزلنا عليهم الكتب فدعوكم إلى التوحيد فلم تقلبوا ولم تصدقوا، وهو معنى قوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ} أيها المجرمون {لِلْحَقِّ} أي حق كان {كَارِهُونَ}؛ أي: لا يقبلون، وينفرون منه مشمئزين منه.

والمعنى: أي لقد بينا لكم الحق على ألسنة رسلنا، وأنزلنا إليكم الكتب مرشدة إليه، ولكن سجاياكم وطبائعكم لا تقبله ولا تقبل عليه، وإنما تنقاد للباطل، وتعظمه وتصد عن الحق وتأباه وتبغض أهله، فعودوا على أنفسكم بالملامة، واندموا حيث لا تنفعكم الندامة.

٧٩ - وبعد أن ذكر كيفية عذابهم في الآخرة، بين سببه، وهو مكرهم، وسوء طويتهم في الدنيا، فقال: {أَمْ أَبْرَمُوا} و {أَمْ} هي المنقطعة التي تقدر بمعنى بل والهمزة؛ أي: بل أأبرم كفار قريش {أَمْرًا} وأحكموا كيدًا، واحتالوا حيلة للرسول - صلى الله عليه وسلم - في فتكه، كما فعلوا في اجتماعهم على قتله - صلى الله عليه وسلم - في دار الندوة إلى غير ذلك، وفي ذلك انتقال من توجع أهل النار إلى حكاية ما يقع من هؤلاء. والإبرام (١): الإتقان والإحكام، يقال: أبرمت الشيء أحكمته وأتقنته، وأبرم الحبل إذا أحكم قتله.

والمعنى: بل أأحكموا كيدًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}؛ أي: محكمون لهم كيدًا قاله مجاهد وقتادة وابن زيد، ونحو الآية قوله تعالى: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) وقوله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٠)}. وقيل: المعنى أم قضوا أمرًا فإنا قاضون عليهم أمرنا بالعذاب، قاله الكلبي.

٨٠ - والخلاصة: بل هم تحيلوا في رد الحق بالباطل بوجوه من الحيل والمكر، فكادهم الله تعالى، ورد عليهم سوء كيدهم بتخليدهم في النار، معذبين فيها أبدًا {أَمْ يَحْسَبُونَ}؛ أي: بل أيحسب كفار مكة ويظنون {أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ}؛ أي: ما يسرون به في أنفسهم من حديث النفس، أو ما يتحدثون به سرًا في مكان خال


(١) روح البيان.