للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المساهلة، وإرخاء العنان لقصد التبكيت، والإسكان والإلزام، فجيء بكلمة إن المفيدة للشك، فلا يلزم من هذا الكلام صحة كينونة الولد، وعبادته، لأنها محال في نفسها يستلزم المحال، وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض، وهو المبالغة في نفي الولد، والإطناب مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد، قال جعفر الصادق رحمه الله تعالى: وأول ما جرى به القلم لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال: فانا أول العابدين أحق بتوحيد الله، وذكر الله سبحانه.

وقال ابن عباس (١): {إِنْ كَانَ}؛ أي: ما كان للرحمن ولد {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}؛ أي: الشاهدين له بذلك. وقيل: العابدين بمعنى الآنفين؛ أي: أنا أول الجاحدين المنكرين لما قلتم، وأنا أول من غضب للرحمن أن يقال له ولد. وهو (٢) تكلف لا ملجىء إليه، ولكنه قرأ أبو عبد الرحمن اليماني {العبدين} بغير ألف، يقال: عبد يعبد عبدًا، بالتحريك من باب فرح، إذا أنف وغضب فهو عبد، والاسم العبدة مثل الأنفة، ولعل الحامل لمن قرأ هذه القراءة على هذه القراءة الشاذة البعيدة هو استبعاد معنى: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}، وليس بمستبعد ولا مستنكر، وقد حكى الجوهري عن أبي عمرو في قوله: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أنه من الأنف والغضب، وحكاه الماوردي عن الكسائي والقتيبي، وبه قال الفراء، وكذا قال ابن الأعرابي: إن معنى العابدين الغضاب الآنفين، وقال أبو عبيدة: معناه: الجاحدين، وحكي عبدني حقي؛ أي: جحدني. وقد أنشدوا على هذا المعنى الذي قالوه قول الفرزدق:

أُولَئِكَ آبَائِيْ فَجِئْنِيْ بِمِثْلِهِمْ ... وَأَعْبُدُ أَنْ أَهْجُوْ كُلَيْبًا بِدَارِمِ

وقوله أيضًا:

أُوْلَئِكَ نَاسٌ لَوْ هَجَوْنِيْ هَجَوْتُهُمْ ... وَأَعْبُدُ أَنْ يُهْجَى كُلَيْبٌ بِدَارِمِ

ولا شك أن عبد وأعبد بمعنى أنف، أو غضب ثابت في لغة العرب، وكفى


(١) الخازن.
(٢) الشوكاني.