للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فيه أعمالكم.

{يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ}؛ أي: يشهد عليكم {بِالْحَقِّ} والصدق من غير زيادة، ولا نقص، والجملة خبر آخر لهذا، و {بِالْحَقِّ} حال من فاعل {يَنْطِقُ} فهو صورة تطابق ما فعلتموه حذو القذة بالقذة، وقوله: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ} إلخ، تعليل لنطقه عليهم بأعمالهم من غير إخلال بشيء منها؛ أي: إنا كنا نأمر الحفظة بنسخ {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا، وكتابته في صحائف أعمالكم، وإثباتها عليكم حسنة كانت أو سيئة، صغيرة كانت أو كبيرة، أول فأول، فهي وفق ما عملتم بالدقة والضبط؛ لأن السين للطلب، وفي هذا (١) إجابة عما يخطر بالبال من سؤال فيقال: ومن يحفظ أعمالنا على كثرتها مع طول المدة، وبعد العهد، فأجيبوا بهذا الجواب.

قال الواحدي (٢): وأكثر المفسرين، على أن هذا الاستنساخ من اللوح المحفوظ، فإن الملائكة تكتب منه كل عام ما يكون من أعمال بني آدم، فيجدون ذلك موافقًا لما يعملونه قالوا: لأن الاستنساخ لا يكون إلا من أصل. وقيل: المعنى نأمر الملائكة بنسخ ما كنتم تعملون، وقيل: إن الملائكة تكتب كل يوم ما يعمله العبد، فإذا رجعوا إلى مكانهم نسخوا منه الحسنات والسيئات، وتركوا المباحات، وقيل: إن الملائكة إذا رفعت أعمال العباد إلى الله سبحانه، أمر - عز وجل - أن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب، وسقط منها ما لا ثواب فيه ولا عقاب.

٣٠ - ثم فصل حال الفريقين فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} من الأمم، وصدقوا بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}؛ أي: وعملوا الأعمال الصالحة، وهي الخالصة الموافقة للشرع {فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي} محل {رَحْمَتِهِ} وهو الجنة؛ أي: فأما الذين آمنت قلوبهم، وعملت جوارحهم صالح الأعمال التي أمر بها الدين، فيكافئهم ربهم على ما عملوا، ويدخلهم جنات النعيم، وقد جاء في الحديث الصحيح: "أن الله تعالى قال للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء"


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.