للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقال: {وَبَدَا لَهُمْ}؛ أي: ظهر للكفار في الآخرة {سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} في الدنيا من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: أعمالهم السيئة، على ما هي عليه من الصورة المنكرة الهائلة، وعاينوا وخامة عاقبتها: والمراد (١) الشرك والمعاصي، التي كانت تميل إليها الطبائع والنفوس، وتشتهيها وتستحسنها، ثم تظهر يوم القيامة في الصور القبيحة، قالوا فالحرام على صورة الخنزير، والزكاة التي لم تؤد على صورة الشجاع الأقرع، والعلم بلا عمل على صورة الشجرة اليابسة، والرجوع عن الحق إلى الباطل في صورة تحول الوجه إلى القفا، إلى غير ذلك من الصور المتنوعة، بحسب الأعمال المختلفة، ولكن ليس لبعض هذه الصور أصول يستند إليه، فكل ما أثمر لهم في الآخرة، إنما هو من زرع زرعوه في مزرعة الدنيا بأعمالهم السيئة، ويجوز أن يراد {سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} جزاؤها، فإن جزاء السيئة سيئة مثلها، فسميت باسم سببها، وهذا أولى {وَحَاقَ}؛ أي: أحاط {بِهِم} ونزل عليهم {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} في الدنيا من الجزاء والعقاب

٣٤ - {وَقِيلَ} من جانب الحق سبحانه {اليومَ} وهو يوم القيامة {نَنْسَاكُمْ}؛ أي: نترككم في العذاب ترك المنسي، ففي ضمير الخطاب استعارة بالكناية، بتشبيههم بالأمر المنسي في تركهم في العذاب، وعدم المبالاة بهم، وقرينتها النسيان {كَمَا نَسِيتُمْ} في الدنيا {لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}؛ أي: كما تركتم عدَّته ولم تبالوا بها، وهي الإيمان والعمل الصالح، وإضافة اللقاء إلى اليوم، من إضافة المصدر إلى ظرفه؛ أي: نسيتم لقاء الله، وجزاءه في يومكم هذا، فأجرى اليوم مجرى المفعول به، وجعل ملقيًا. ففي هذه الإضافة توسع، لما فيه من إضافة الشيء إلى ما هو واقع فيه، وفيه إشارة إلى أنهم زرعوا في مزرعة الدنيا بذر النسيان، فأثمرهم في الآخرة ثمرة النسيان {وَمَأْوَاكُمُ}؛ أي: مستقركم ومسكنكم الذي تأوون إليه {النَّارُ}؛ أي: نار جهنم؛ لأنها مأوى من نسينا، كما أن الجنة تأوي من ذكرنا {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} ينصرونكم، فيمنعون عنكم العذاب؛ أي: ما لأحد منكم ناصر واحد، يخلصكم منها.


(١) روح البيان.