للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اتخذتم حجج الله، وآيات كتابه، التي أنزلها على رسوله، سخرية تسخرون منها، وخدعتكم زينة هذه الحياة، فآثرتموها على العمل لما ينجيكم من عذابه، ظنا منكم أنه لا حياة بعد هذه الحياة، ولا بعث ولا حساب، فاليوم لا يخرجون من النار ولا هم يردون إلى الدنيا ليتوبوا، ويراجعوا الإنابة مما عوقبوا عليه.

والخلاصة: أنهم لا يخرجون، ولا يطلب منهم أن يزيلوا عتب ربهم عليهم؛ أي: لا يُطلب إرضاؤه لفوات أوانه.

٣٦ - وبعد أن ذكر ما حوته السورة من آلائه تعالى، وإحسانه، وما اشتملت عليه من الدلائل التي في الآفاق والأنفس، وما انطوت عليه من البراهين الساطعة على المبدأ، والمعاد، أثنى على نفسه بما هو له أهل، فقال: {فَلِلَّهِ} سبحانه خاصة. {الْحَمْدُ}؛ أي: جميع صنوف الحمد، وأنواعه، فلا يستحق لغيره؛ لأنه الفاعل المختار {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ}؛ أي: مالك السموات السبع، ومالك الأرضين السبع، وخالقهما، و {رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ أي: مالك جميع المخلوقات، علويها وسفليها من الأرواح، والأجسام، والذوات، والصفات، فلا يستحق الحمد أحد سواه تعالى، وتكرير (١) الرب للتأكيد، والإيذان بأن ربيته تعالى لكل منها، بطريق الأصالة.

وقرأ الجمهور (٢): {رَبِّ} في المواضع الثلاثة، بالجر على الصفة للاسم الشريف، وقرأ مجاهد وحميد وابن محيصن: بالرفع في الثلاثة، على تقدير مبتدأ؛ أي: هو رب السموات إلخ،

٣٧ - {وَلَهُ} سبحانه وتعالى لا لغيره {الْكِبْرِيَاءُ}؛ أي: العظمة والقدرة والسلطان والجلال والعز والقهر {فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وفي سائر المخلوقات، وخص السموات والأرض بالذكر لظهور آثارها، وأحكامها فيهما، وإظهارهما في مقام الإضمار لتفخيم شأن الكبرياء {وَهُوَ} سبحانه وتعالى {الْعَزِيزُ}؛ أي: الغالب الذي لا يغلب {الْحَكِيمُ} في كل ما قضى وقدر فاحمدوه؛ أي: لأن له الحمد، وكبروه؛ أي: لأن له الكبرياء، وأطيعوه؛ أي:


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.