للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أي قل لهم: لست بأول رسول بلَّغ عن ربه، بل قد جاءت رسل من قبلي، فما أنا بالفذِّ في لم يعهد له نظير حتى تستنكروا وتستبعدوا رسالتي إليكم، وأما أنا بالذي يسشطيع أن يأتي بالعجزات متى شاء، بل ذلك بإذنه تعالى، وتحت قبضته وسلطانه، وليس لي من الأمر شيء، وإلى ذلك أشار بقوله: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} أيها المكذبون. {ما} الأولى: نافية، و {لا} تأكيد لها، والثانية: استفهامية مرفوعة بالابتداء، خبرها: {يُفْعَلُ}. وجُوِّز أن تكون الثانية موصولة منصوبة بـ {أَدْرِي} والاستفهامية أقضى لحق مقام التبرّي من الدراية؛ أي: (١) وما أعلم أيُّ شيء يصيبنا فيما يستقبل من الزمان، وإلام يصير أمري وأمركم في الدنيا، فإنه قد كان من الأنبياء من يسلم من المحن، ومنهم من يمتحن بالهجرة من الوطن، ومنهم من يبتلى بأنواع الفتن، وكذلك الأمم منهم من أهلك بالخسف، ومنهم من كان هلاكه بالقذف، وكذا بالمسخ وبالريح وبالصيحة وبالغرق وبغير ذلك، فنفى عليه السلام علم ما يفعل به وبهم من هذه الوجوه، وعلم من هو الغالب المنصور منه ومنهم، ثم عرّفه الله بوحيه إليه عاقبة أمره وأمرهم، فأمره بالهجرة، ووعده العصمة من الناس، وأمره بالجهاد، وأخبر أنه سيظهر دينه على الأديان كلها، ويسلَّط على أعدائه ويستأصلهم.

وقيل (٢): يجوز أن يكون المنفي هي الدراية المفصلة؛ أي: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدارين على التفصيل، إذ لا علم لي بالغيب، وكان بالإجمال معلومًا بقوله فإن جند الله هم الغالبون وإن مصير الأبرار إلى النعيم، ومصير الكفار إلى الجحيم، وقال أبو السعود - رحمه الله تعالى -: والأظهر الأوفق لما، ذكر من سبب النزول: أنّ {ما} عبارة عما ليس في علمه من وظائف النبوة من الحوادث والواقعات الدنيوية، دون ما سيقع في الآخرة، فإن العلم بذلك من وظائف النبوة، وقد ورد به الوحي الناطق بتفاصيل ما يفعل بالجانبين هذا.


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.