للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقال: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} من أهل مكة {لِلَّذِينَ آمَنُوا}؛ أي: لأجلهم، فليس الكلام على المواجهة والخطاب حتى يقال: ما سبقتمونا؛ أي: قالوا لأجل إيمان من آمن من فقراء المؤمنين كعمار وصهيب وابن مسعود ومن لف لفهم: {لَوْ كَانَ} ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من القرآن والدين {خَيْرًا}؛ أي: حقًا {مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ}؛ أي: ما سبقنا إليه هؤلاء الأراذل والفقراء، فإنّ معالي الأمور لا تنالها أيدي الأراذل، وهؤلاء سقاط الناس، ورعاة الإبل والشاء، وقد قالوا (١) ذلك زعمًا منهم أنّ الرياسة الدينية مما ينال بأسباب دنيوية، وقد غاب عنهم أنها منوطة بكمالات نفسانية، وملكات روحانية مبناها الإعراض عن زخارف الدنيا الدنية، والإقبال على الآخرة بالكلية، وأنّ من فاز بها .. فقد حازها بحذافيرها، ومن حرمها .. فما له منها من خلاق، ولم يعلموا أنّ الله يختصّ برحمته من يشاء، ويصطفي لدينه من يشاء.

يقول الفقير: الأولى في مثل هذا المقام أن يقال: إنّ الرياسة الدينية فضل الله تعالى، يؤتيه من يشاء بغير علل ولا أسباب، فإن القابلية أيضًا إعطاء من الله تعالى. انتهى.

{وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ}: ظرف لمحذوف يدل عليه ما قبله، ويترتب عليه ما بعده، لا لقوله: {فَسَيَقُولونَ} فإنه للاستقبال، و {إذ} للمضي؛ أي: وإذ لم يهتدوا بالقرآن كما اهتدى به أهل الإيمان قالوا ما قالوا؛ أي: وحين لم يهتدوا بالقرآن ظهر عنادهم وقالوا: لو كان خيرًا ما سبقونا إليه {فَسَيَقُولُونَ} في المستقبل غير مكتفين بنفي خيريّته: {هَذَا} القرآن {إِفْكٌ قَدِيمٌ} وكذب مأثور عن الناس الأقدمين، كما قالوا: أساطير الأولين بقصد انتقاص القرآن وأهله، فقد جهلوا بلبّ القرآن وعادوه؛ لأنّ الناس أعداء ما جهلوا، ومن كان مريضًا مرّ الفم .. يجد الماء الزّلال مرًا، فلا ينبغي لأحد أن يستهين بشيء من الحق إذا لم يهتد عقله به، ولم يدركه فهمه، فإنّ ذلك من محض الضلالة والجهالة، بل ينبغي أن


(١) روح البيان.