للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ الجمهور (١): {حسنا} بضم الحاء وإسكان السين، وقرأ عليّ والسلمي وعيسى بفتحهما، وعن عيسى: بضمهما، وقرأ الكوفيون: {إِحْسَانًا} فقيل: ضمّن {وصينا} معنى ألزمنا، فيتعدى لاثنين، فانتصب {حسنًا} و {إِحْسَانًا} على الفعول الثاني لـ {وصينا}. وقيل: التقدير: إيصاء ذا حسن أو ذا إحسان، ويجوز أن يكون {حسنًا} بمعنى إحسان، فيكون مفعولًا له؛ أي: ووصّيناه بهما لإحساننا إليهما، فيكون الإحسان من الله تعالى.

والمعنى (٢): أي أمرنا الإنسان بالإحسان إليهما، والحنوّ عليهما، والبرّ بهما في حياتهما وبعد مماتهما، والإنفاق عليهما عند الحاجة، والبشاشة عند لقائهما، وجعلنا البرّ بهما من أفضل الأعمال، وعقوقهما من الكبائر. والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة.

ثم ذكر سبب التوصية وعلته، وخصّ الكلام بالأم؛ لأنها أضعف وأولى بالرعاية، وفضلها أعظم، كما ورد في صحيح الأحاديث، ومن ثم كان لها ثلثا البّر، فقال: {حَمَلَتهُ}؛ أي: حملت الإنسان {أُمُّهُ} الأمّ (٣) بإزاء الأب وهي الوالدة القريبة التي ولدته، والوالدة البعيدة التي ولدت من ولدته، ولهذا قيل لحوّاء عليها السلام: هي أُمُّنا، وإن كان بيننا وبينها وسائط. ويقال لكل ما كان أصلًا لوجود الشي أو تربيته أو إصلاحه أو مبدأه أمٌّ. {كُرْهًا} حال من فاعل {حَمَلَتْهُ}؛ أي: حملته حال كونها ذات كره، وهو المشقة والصعوبة، يريد حالة ثقل الحمل في بطنها لا في ابتدائها، فإنّ ذلك لا يكون فيه مشقة، أو حملته حملًا ذا كره ومشقة.

وقرأ الجمهور (٤): {كُرْهًا} بضم الكاف في الموضعين، وقرأ شيبة أبو جعفر، والأعرج والرحميان نافع وابن كثير وأبو عمرو بالفتح، وبهما معًا أبو رجاء ومجاهد وعيسي، والضم والفتح لغتان بمعنى واحد، كالعَقْرِ والعُقْرِ. وقالت


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) البحر المحيط.