للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقال: أكلما اشتهيتم شيئًا اشتريتوه؟ أين تذهب عنكم هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}؟.

وقد كان (١) السلف الصالح يؤثرون التقشف والزهد في الدنيا؛ رجاء أن يكون ثوابهم في الآخرة أكمل، لا أن التمتع بزخارف الدنيا ما يمتنع، بدليل قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}.

نعم: إنّ الاحتراز عن التنعم أولى؛ لأنّ النفس إذا اعتادت ذلك، وألفته .. صعب عليها تركه والاكتفاء بما دونه، ولله در البوصيري إذ يقول:

وَالنَّفْسُ كَالطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلهُ شَبَّ عَلَى ... حُبِّ الرَّضَاعِ وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ

والذي يضبط هذا الباب، ويحفظ قانونه: أنّ على المرء أن يأكل ما وجد، طيبًا كان أو قفارًا - الطعام بلا إدام - ولا يتكلف الطيب، ويتخذه عادةً. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشبع إذا وجد، ويصبر إذا عدم، ويأكل الحلوى إذا قدر عليها، ويشرب العسل إذا اتفق له، ويأكل اللحم إذا تيسر، ولا يعتمده أصلًا، ولا يجعله في يدنًا له.

قِصّة هود عليه السلام مع قومه عاد

٢١ - {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ}؛ أي: واذكر يا محمد لكفار مكة هودًا عليه السلام مع قومه، ليعتبروا من حال قومه، فمعنى (٢) {أَخَا عَادٍ}. واحدًا منهم في النسب لا في الدين، كما في قولهم: يا أخا العرب، وعاد: هم ولد عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام. وهود: وابن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد {إِذْ أَنْذَرَ} وخوَّف {قَوْمَهُ} عادًا من عذاب الله تعالى، والظرف: بدل اشتمال من {أَخَا عَادٍ} لأنّ {أَخَا عَادٍ} وهو هود، يلابس وقت إنذاره وما وقع له معهم، فـ {إذ}: ظرف للماضي، بمعنى الوقت مضافة لما بعدها {بِالْأَحْقَافِ}؛ أي: بموضع يقال له: الأحقاف واد باليمن به منازلهم، وليس صلةً لـ {أنذَرَ} كما قد


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.