للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بها، ودوام عبادته.

ثم بيّن العلة في عدم إغناء ذلك عنهم، فقال: {إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى، ويكذّبون رسله، وينكرون معجزاتهم. و {إذ}، ظرف جرى مجرى التعليل، متعلق بـ {بما أغنى} من حيث إنّ الحكم مرتب على ما أضيف إليه، فإنّ قولك: أكرمته إذ أكرمني في قوة قولك: أكرمته لإكرامه؛ لأنك إذا أكرمته وقت إكرامه ... فإنما أكرمته فيه لوجود إكرامه فيه، وكذا الحال حيث {وَحَاقَ} أي: أحاط ونزل {بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء، فيقولون: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.

وفي هذا تخويف لأهل مكة حتى يحذروا من عذاب الله، ويخافوا عقابه، فإنّ عادًا لمَّا اغتروا بدنياهم، وأعرضوا عن قبول الحق .. نزل بهم العذاب، ولم تغن عنهم قوتهم ولا كثرتهم شيئًا، فأهل مكة مع عجزهم وضعفهم أولى.

وفي الآية (١): إشارة إلى أنَّ هذه الآلات التي هي السمع والبصر، والفؤاد، أسباب تحصيل التوحيد، وبدأ بالسمع؛ لأنّ جميع التكليف الوارد على القلب إنما يوجد من قبل السمع، وثنَّى بالبصر؛ لأنه أعظم شاهد بتصديق المسموع منه، وبه حصول ما به التفكر والاعتبار غالبًا، تنبيا على عظمة ذلك، وإن كان المبصر هو القلب، ثم رجع إلى الفؤاد الذي هو العمدة في ذلك.

٢٧ - {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا}؛ أي: وعزتي وجلالى، لقد أهلكنا يا أهل مكة {مَا حَوْلَكُمْ}؛ أي: ما حول قريتكم {مِنَ الْقُرَى} المكذِّبة للرسل كعاد، وقد كانوا بالأحقاف بحضرموت، وثمود وكانت منازلهم بينهم وبين الشام، وسبأ باليمن، ومدين وكانت في طريقهم في رحلاتهم صيفًا وشتاءً؛ أي: أهلكنا تلك الأمم المكذَّبة بعد أن أنذرناهم بالمثلات، فلم يغن ذلك عنهم شيئًا، فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر {وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ}؛ أي: ولقد كررنا، وبيَّنا لهم قبل إهلاكهم الآيات التي يعتبر بها بتكرير ذكرها، وإعادة أقاصيص الأمم الخالية بتكذيبها وشركها؛


(١) روح البيان.