للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عطف على {إِفْكُهُمْ} أي: وما كانوا يكذبون بقولهم: إنها آلهة، وإنها تشفع لهم، و {ما}: إما مصدرية؛ أي: أثر افترائهم على الله، أو موصولة؛ أي: وأثر ما كانوا يفترونه عليه تعالى، من نسبة الشركاء إليه تعالى.

والمعنى (١): أي فهلَّا نصرتهم آلهتهم التي تقرَّبوا بها إلى الله لتشفع لهم، ومنعتهم من الهلاك الواقع بهم، بل غابوا وذهبوا عنهم، ولم يحضروا لنصرتهم عند الحاجة إليهم. وذلك الضلال والضياع سببه اتخاذهم إياها آلهةً، وزعمهم الكاذب أنها تقرِّبهم إلى الله تعالى، وتشفع، وافتراؤهم وكذبهم بقولهم: إنها آلهة، وقد خابوا وخسروا في عبادتهم لها، واعتمادهم عليها.

وفي هذا (٢): تقريع لأهل مكة، وتأنيبٌ لهم على أنه لو كانت آلهتهم التي يعبدونها من دون الله تغني عنهم شيئًا، أو تنفعهم عنده .. لأغنت عمن كان قبلهم من الأمم الذين أُهلكوا بعبادتهم لها، فدفعت عنهم العذاب إذ نزل بهم، أو لشفعت لهم عند ربهم، لكنها أضرّتهم ولم تنفعهم، وغابت عنهم أحوج ما كانوا إليها، فما أحراهم أن يتنبهوا لما هم فيه من خطل الرأي، وسوء التقدير للأمور.

وقرأ الجمهور (٣): {إِفْكُهُمْ} بكسر الهمزة وإسكان الفاء وضم الكاف، مصدر أفك يأفك إفكًا؛ أي: كذبهم، وقرأ ابن عباس في رواية: بفتح الهمزة مع سكون الفاء وهو أيضًا مصدر لأفك، وقرأ ابن عباس أيضًا وابن الزبير، والصباح بن العلاء الأنصاري وأبو عياض، وعكرمة، وحنظلة بن النعمان بن مرة، ومجاهد: {أَفَكَهم} بثلاث فتحات، على أنه فعل ماض؛ أي: ذلك القول صرفهم عن التوحيد، وقرأ أبو عياض وعكرمة أيضًا: كذلك، إلا أنهما شدَّدا الفاء للتكثير، فقالا: أفَّكهم من باب فعّل المضعف، وقرأ ابن الزبير أيضًا، وابن عباس فيما ذكر ابن خالويه: {آفكَهم} بالمدّ، فاحتمل أن يكون بزنة فاعل، فـ {الهمزة} أصلية، وأن يكون بزنة أفعل، فـ {الهمزة}: للتعدية؛ أي: جعلهم


(١) التفسير المنير.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.