للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يتبعون أحكام التوراة، ويرجعون إليها، وهذان الوجهان متأتِّيان هنا أيضًا.

يقول الفقير: قد صحّ أنّ التوراة أول كتاب اشتمل على الأحكام والشرائع، بخلاف ما قبله من الكتب، فإنها لم تشتمل على ذلك، إنما كانت مشتملة على الإيمان بالله وتوحيده، ومن ثم قيل لها: صحف، وإطلاق الكتب عليها مجاز، كما صرَّح به في "السيرة الحلبية". فلمّا كان القرآن مشتملًا على الأحكام والشرائع أيضًا .. صارت الكتب الإلهية كلها في حكم كتابين: التوراة والقرآن، فلذا خصَّصوا موسى بالذكر، وفيه بيان لشرف الكتابين وجلالتهما.

حالة كون ذلك الكتاب {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}؛ أي: موافقًا لما قبله من التوراة والكتب الإلهية في الدعوة إلى التوحيد والتصديق، وحقّية أمر النبوّة والمعاد وتطهير الأخلاق، فهو حال من {كِتَابًا} لتخصصه بالصفة، أو صفة ثانية له. {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} والصواب من العقائد الصحيحة {وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ}؛ أي: موصل إليه، لا عوج فيه، وهو الشرائع، والأعمال الصالحة، قال ابن عطاء: يهدي إلى الحق في الباطن، وإلى طريق مستقيم في الظاهر، وجملة {يَهْدِي}: إما حال ثانية، أو صفة ثالثة لـ {كِتَابًا}.

والمعنى (١): أي قالوا: يا قومنا من الجنّ إنّا سمعنا كتابًا أنزله الله من بعد توراة موسى، يصدِّق ما قبله من كتب الله التي أنزلها على رسله، ويرشد إلى سبيل الحقّ، وإلى ما فيه لله رضًا، وإلى الطريق الذي لا عوج فيه، وخصوا التوراة؛ لأنّه متفق عليه عند أهل الكتابين، كما مرّ آنفًا. وقال عطاء: لأنهم كانوا على اليهوديّة، وهذا يحتاج إلى نقل صحيح. قيل: وأسلم (٢) من قومهم حين رجعوا إليهم وأنذروهم سبعون. اهـ "خطيب". وقالوا: إنّ الجنّ لهم مللٌ مثل الإنس، ففيهم اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأصنام، وفي مسلميهم مبتدعة، ومن يقول بالقدر، وخلق القرآن، ونحو ذلك من المذاهب والبدع، وروي: أنهم ثلاثة أصناف:


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.