للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ما هو الأصلح والنصيحة لك .. فأقول لك: اصبر أيها الرسول على ما أصابك في الله من أذى مكذّبيك من قومك، الذين أرسلناك إليهم منذرًا.

{كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ}؛ أي: أصحاب الحزم والثبات {مِنَ الرُّسُلِ} على القيام بأمر الله، والانتهاء إلى طاعته، فإنك منهم.

والخلاصة: اصبر على الدعوة إلى الحق، ومكابدة الشدائد، كما صبر إخوانك الرسل من قبلك، قيل: هذه الآية منسوخة بآية السيف، وقيل: محكمة، والأظهر: أنها منسوخة؛ لأنّ السورة مكيّة.

والمعنى: أي إذا كان عاقبة أمر الكفرة ما ذكر .. فاصبر على ما يصيبك من جهتهم، كما صبر أولوا الثبات والحزم من الرسل، فإنك من جملتهم، بل من أفضلهم، و {من}: للتبين، فيكون الرسل كلهم أولي عزم وجدٍّ في أمر الله. قال في "التكملة": (١) وهذا لا يصحّ لإبطال معنى تخصص الآية، وقيل: {من}: للتبعيض على أنهم أولوا عزم، وغير أولي عزم، والمراد بأولي العزم: أصحاب الشرائع الذين اجتهدوا في تأسيسيها وتقريرها، وصبروا على تحمل مشاقها ومعاداة الطاغين فيها، ومشاهيرهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمَّد عليهم السلام، وقد نظمهم بعضهم بقوله:

أَوْلُوْا الْعَزْمِ: نُوْحٌ وَالْخَلِيْلُ المُمَجَّدُ ... مُوْسَى وَعِيْسَى وَالْحَبِيْبُ مُحَمَّدُ

قال في "الأسئلة المقحمة": هذا القول هو الصحيح، وقيل هم الصابرون على بلاء الله: كنوح، صبر على أذيّة قومه، كانوا يضربونه حتى يغشى عليه، وإبراهيم صبر على النار، وعلى ذبح ولده، والذبيح صبر على الذبح، ويعقوب على فقد الولد، ويوسف على الجب والسجن، وأيوب على الضرّ، وموسى قال قومه: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢)} ويونس على بطن الحوت، وداود بكى على خطيئته أربعين سنة، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة، وقال: إنها معبرة فاعبروها, ولا تعمروها،


(١) روح البيان.