للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

باب وعد: إذا نقصه حقّه. كما سيأتي.

وعبّر (١) عن ترك الإثابة في مقابلة الأعمال بالوتر الذي هو إضاعة شيء معتدّ به من الأنفس والأموال، مع أنّ الأعمال غير موجبة للثواب على قاعدة أهل السنة، إبرازًا لغاية اللطف بتصوير الثواب بصورة الحق المستحق، وتنزيل ترك الإثابة، بمنزلة إضاعة أعظم الحقوق وإتلافها.

والمعنى: أي فلا تضعفوا أيّها المؤمنون عن جهاد المشركين، وتجبنوا عن قتالهم، وتدعوهم إلى الصلح والمسالمة خورًا وإظهارًا للعجز، وأنتم العالون عليهم، والله معكم بالنصر لكم عليهم، ولا يظلمكم أجور أعمالكم فينقصكم ثوابها.

٣٦ - {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} عند أهل البصيرة؛ أي: إن الإشغال بها {لَعِبٌ}؛ أي: شغل غير مقصود لذاته، سواء شغل عن المقصود أم لا، يقال: لعب فلان: إذا كان فعله غير قاصد به مقصدًا صحيحًا، كفعل الصبيان {وَلَهْوٌ}؛ أي: شغل شاغل عما هو المقصود؛ لأن اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمّه، ولذلك يقال: آلات الملاهي؛ أي: إنّ الاشتغال بالدنيا أعمال ضائعة لا نتيجة لها، ومشغلة عن طاعة الله تعالى؛ أي: باطل وغرور لا أصل لشيء منها، ولا ثبات له، ولا اعتداد به.

وفيه (٢): إشارة إلى أنّ الدنيا وما فيها من مثلها إلى آخرها، لا وجود لها في الحقيقة، وإنما هي أمر عارض، وخيال زائل {وَإِنْ تُؤْمِنُوا} أيها الناس بما يجب به الإيمان {وَتَتَّقُوا} عن الكفر والمعاصي {يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ}؛ أي: يعطكم ثواب إيمانكم وتقواكم من الباقيات الصالحات، التي يتنافس فيها المتنافسون، وفي الآية حث على طلب الآخرة العلية الباقية، وتنفير عن طلب الدنيا الدنية الفانية {وَلَا يَسْأَلْكُمْ} الله سبحانه وتعالى {أَمْوَالَكُمْ}؛ أي: لا يأمركم بإخراج جميع أموالكم في الزكاة، وسائر وجوه الخير، بحيث يخل أداؤها بمعاشكم؛


(١) روح المعاني.
(٢) روح البيان.