للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذي القعدة سنة سبع، وذلك ثلاثة أيام هو وأصحابه، وصدقت رؤياه - صلى الله عليه وسلم -.

وقوله: {فَعَلِمَ} الله سبحانه {مَا لَمْ تَعْلَمُوا} في الصلح في الحديبية من المصلحة المتجدّدة، فإنّ دخولكم في سنتكم هذه سبب لهلاك المؤمنين والمؤمنات، معطوف على {صَدَقَ}. و {الفاء} (١): للترتيب الذكري، فالتعرض لحكم الشيء إنما يكون بعد جري ذكره.

والمراد بعلمه تعالى: العلم الفعليّ المتعلق بأمر حادث بعد المعطوف عليه؛ أي: فعلم عقيب ما أراه الرؤيا الصادقة، ما لم تعلموا من الحكمة الداعية إلى تقديم ما يشهد بالصدق علمًا فعليًا. {فَجَعَلَ} سبحانه {مِنْ دُونِ ذَلِكَ}؛ أي: من قبل ذلك الدخول في مكة؛ أي: من قبل تحقق مصداق ما أراه من دخول المسجد الحرام {فَتْحًا قَرِيبًا} وهو فتح خيبر، فيقويكم به، فإنه كان سببًا لإسلام كثير من الناس تقوّى بهم المسلمون، فتكون تلك الكثرة سببًا لهيبة الكفار، ولمنعهم من قتال المسلمين، حين رجعوا إلى مكة في العام المقبل، وهم عشرة آلاف، وكانوا في عام الحديبية ألفًا وأربع مئة.

والمعنى (٢): أي لقد صدق الله رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رؤياه التي أراها إياه، أنه يدخل هو وأصحابه البيت الحرام، آمنين لا يخافون أهل الشرك، محلقًا بعضهم ومقصّرًا بعضهم الآخر، فعلم جل ثناؤه ما لم تعلموا، وذلك علمه تعالى ما بمكة من الرجال والنساء المؤمنين، الذين لم يعلمهم المؤمنون، ولو دخلوها هذا العام .. لوطئوهم بالخيل والرجل، فأصابتهم منهم معرّة بغير علم، فردّهم الله تعالى عن مكة من أجل ذلك، فجعل من دون دخولهم المسجد فتحًا قريبًا: هو صلح الحديبية، وفتح خيبر؛ لتستروح إليه قلوب المؤمنين، إلى أن يتيسّر اليوم الموعود.

٢٨ - ثمّ أكّد صدق الرسول في الرؤيا بقوله: {هُوَ الَّذِي}؛ أي: هو سبحانه وتعالى الإله الذي {أَرْسَلَ} وبعث {رَسُولَهُ} محمدًا - صلى الله عليه وسلم -؛ أي؛ اختصّ بإرسال


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.