للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إسلامًا، فقال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ} بما هو في الحقيقة إسلام؛ أي: دخول في السلم، وليس بجدير بالمنّ؛ لأنَّه ليس له اعتداد شرعًا، ولا يعد مثله نعمة، بل لو صحّ ادّعاؤهم للإيمان، فلله المنّة عليهم بالهداية إليه لا لهم، قال الجنيد رحمه الله: المنّ من العباد تقريع، وليس من الله تقريعًا، وإنما هو من الله تذكير النعم، وحثّ على شكر المنعم.

روي: أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال للأنصار يوم حنين: "يا معشر الأنصار، ألم آتكم ضلالًا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألَّف الله بين قلوبكم؟ " قالوا: بلى، الله ورسوله أمنّ وأفضل.

والخلاصة (١): أنّ الله سبحانه وتعالى سمّى ما كان منهم إسلامًا وخضوعًا، لا إيمانًا؛ إظهارًا لكذبهم في قولهم: {آمَنَّا}. ثمّ لما منّوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما كان منهم قال سبحانه لرسوله: أيعتدون عليك بما ليس جديرًا أن يعتد به من إسلامهم الذي سموه إيمانًا، وليس بذاك، بل الله هو الذي يعتد عليهم إيمانهم إن صدقوا، فهو قد أمدهم بهديه وتوفيقه.

١٨ - ثم أعاد الإخبار بعلمه بجميع الكائنات، وبصره بأعمال المخلوقات، فقال: {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: ما غاب فيهما عن العباد، وخفي عليهم علمه {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} في سرّكم وعلانتكم، فكيف يخفى عليه ما في ضمائركم؟!

قرأ الجمهور (٢): {تَعْمَلُونَ} بتاء الخطاب نظرًا لقوله: {لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ}، وقرأ ابن كثير وأبان عن عاصم: {يعملون} بياء الغيبة؛ نظرًا لقوله: {يَمُنُّونَ}. وفي ذلك رمز إلى أنهم كاذبون في إيمانهم، وإعلان للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأتباعه من المؤمنين بما في أنفسهم، فمن لاحظ (٣) شيئًا من أعماله وأحواله .. فإن رآها من نفسه .. كان شركًا، وإن رآها لنفسه .. كان مكرًا، وإن رآها من ربّه


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.