للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذلك قبل أن ينفتح، فهو نضيد في أكمامه، فإذا خرج من أكمامه. فليس بنضيد، والطلع: شيء يخرج من النخل، كأنه نعلان مطبقان، والحمل بينهما منضود، والطرف محدد، أو هو ما يبدو من ثمرته في أول ظهورها، وقشره يسمى الكفرة بضم الكاف والفاء معا، وتشديد الراء، وما في داخله الإغريض؛ لبياضه، كما في "القاموس".

١١ - وقوله: {رِزْقًا لِلْعِبَادِ} علة لقوله: {فَأَنْبَتْنَا}؛ أي: فأنبتنا هذه الأشياء لرزقهم، أو منصوب بفعله المحذوف؛ أي: رزقناهم رزقًا، والأول أولى وأوضح، وفي تعليله بذلك بعد تعليل أنبتنا الأول بالتبصرة، والتذكرة، تنبيه على أنَّ الواجب على العبد أن يكون انتفاعه بذلك من حيث التذكر والاستبصار أهم، وأقدم من تمتعه به من حيث الرزق.

والمقصود من الآية الأولى: هو الاستدلال على القدرة بأعظم الأجرام، كما دل عليه النظر، وذكر الإنبات فيها بطريق التبع، فناسب التعليل بالتبصرة والتذكير، ومن الثانية بيان الانتفاع بمنافع تلك الأجرام، فناسب التعليل بالرزق، ولذا أخرت عن الأولى, لأنَّ منافع الشيء مترتبة على خلقه، قال أبو عبيدة: نخل الجنة نضيد ما بين أصلها إلى فرعها، بخلاف نخل الدنيا، فإن ثمارها في رؤوسها، كلما نزعت رطبة عادت ألين من الزبد، وأحلى من العسل، فنخل الدنيا تذكير لنخل الجنة، وفي كل منهما رزق للعباد، كما قال تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}.

والمعنى (١): ونزلنا من السماء ماء كثير المنافع، إذ أنبتنا به جنات غناء، وحدائق فيحاء، وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالشعير، والقمح وغيرهما، وأنبتنا به النخل الطوال التي لها طلع منضود، متراكم بعضه فوق بعض، لأقوات العباد وأرزاقهم، ولم يقيد العباد هنا بالإنابة كما قيد به في قوله: {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨)}؛ لأن التذكرة لا تكون إلا لمنيب، والرزق


(١) المراغي.