للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كذب جميع الرسل، لاتفاقهم على التوحيد والإنذار بالبعث والحشر، فتكذيب واحد منهم تكذيب للكل. {فَحَقَّ وَعِيدِ}؛ أي: فوجب وحل عليهم وعيدي، وحق بهم ما قدره الله عليهم من الخسف والمسخ والإهلاك، والوعيد يستعمل في الشر خاصةً، بخلاف الوعد، فإنه يكون في الخير والشر، وفي الآية: تسلية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ يعني: لا تحزن، ولا تكثر غمك لتكذيب الكفار إيّاك؛ لأنّك لست بأول نبيّ كذب، وكل أمة كذبت رسولها، واصبر على أذاهم كما صبروا، تظفر بالمراد كما ظفروا، وتهديد لأهل مكة؛ يعني: احذروا يا أهل مكة من مثل عذاب الأمم الخالية، فلا تكذبوا رسول الله، فإنّ الاشتراك في العمل يوجب الاشتراك في الجزاء.

والحاصل (١): أنّ الله سبحانه هدّد كفار قريش بما أحله بأشباههم ونظرائهم من المكذبين قبلهم، من النقم والعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، فقد أغرق قوم نوح بالطوفان، وأهلك جميع من ذكروا بعدهم من الأمم التي كذبت رسلها بضروب شتى من العذاب، وحقّ عليهم وعيده، ونصر رسله، وأعلى كلمتهم، وكانت العاقبة لهم، كما قال: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا}. وقد تقدمت هذه القصص في مواضع متفرقة من الكتاب الكريم.

١٥ - ثم ذكر سبحانه ما يؤكد صحة البعث، فقال: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} و {الهمزة} فيه: للاستفهام (٢) الإنكاري، داخلة على مقدر، ينبىء عنه العيُّ من القصد والمباشرة، و {الفاء}: عاطفة على ذلك المقدر، والتقدير: أقصدنا الخلق الأول وهو الإبداء، فعجزنا عنه، حتى يتوهم عجزنا عن الخلق الثاني وهو الإعادة؛ أي: ليس الأمر كذلك، وما هنا في "الشوكاني": في الاستفهام و {الفاء}: غير صواب.

وجملة قوله: {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}: معطوفة على مقدر يدلّ عليه ما قبله، كأنه قيل: هم غير منكرين لقدرتنا على الخلق الأول، بل هم في خلط


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.