للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقع حالًا من المتقين؛ أي: يقال لهم: هذا ما توعدون.

والمعنى (١): وأزلفت الجنة للمتقين، حال كون أولئك المتقين مقولًا لهم من قبل الله، أو على ألسنة الملائكة عندما شاهدوا الجنة ونعيمها هذا المشاهد، أو هذا الثواب، أو هذا الإزلاف، وتذكير اسم الإشارة لتذكير الخبر، أو هو إشارة إلى الجنة والتذكير لما أنّ المشار إليه هو المسمى من غير أن يخطر بالبال لفظ يدل عليه، فضلًا عن تذكيره وتأنيثه، فإنهما من أحكام النفظ العربي، كما في قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي} وقوله: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} وفي "التأويلات النجمية": هذا إشارة إلى مقعد صدق، ولو كانت الإشارة إلى الجنة لقال: هذه. انتهى.

وقرأ الجمهور (٢): {مَا تُوعَدُونَ} بالتاء خطابًا للمؤمنين، وابن كثير وأبو عمرو: بياء الغيبة؛ أي: هذا القول هو الذي وقع الوعد به، وهي جملة اعتراضية بين المبدل منه والبدل.

ومعنى الآية: أي وأدنيت الجنة للذين اتقوا ربّهم، واجتنبوا معاصيه بحيث تكون بمرأى العين منهم، إكرامًا لهم واطمئنانًا لنفوسهم، فيرون ما أعد لهم من نعيم وحبور ولذّة وسرور لا نفاد له ولا فناء، وتقول لهم الملائكة: هذا هو النعيم الذي وعدكم به ربّكم على ألسنة رسله، وجاءت به كتبه.

ثم بين المستحق لهذا النعيم، فقال: {لِكُلِّ أَوَّابٍ} بدل من المتقين، بإعادة الجار؛ أي: وأزلفت الجنة للمتقين لكل أوّاب منهم؛ أي: رجَّاع إلى الله؛ أي: كثير الرجوع إلى الله بالتوبة، فأوّلًا يرجع من الشرك إلى التوحيد، وثانيًا من المعصية إلى الطاعة، وثالثًا من الخلق إلى الحقّ، وقيل: هو المسبح، وقيل: هو الذاكر لله في الخلوة، قال الشعبي ومجاهد: هو الذي يذكر ذنوبه في الخلوة، فيستغفر الله منها، وقال عبيد بن عمير: هو الذي لا يجلس مجلسًا حتى يستغفر الله فيه.


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.