للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وستعلمون لمن تكون له حسن العاقبة، والظفر في الدنيا والآخرة. وفي هذا عِدَةٌ كريمة بإهلاكهم.

قرأ الجمهور (١): {نَتَرَبَّصُ} بإسناد الفعل إلى جماعة المتكلمين. وقرأ زيد بن عليّ {يتربص} بالياء مبنيًا للمفعول، {ريب المنون} بالرفع على النيابة.

وقد أهلكوا قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم بدر، وفي غيره من الأيّام. وقيل (٢): إنَّ معنى الآية: إني أخاف الموت، ولا أتمناه لا لنفسي، ولا لأحد، وإنما أنا نذير فتربصوا موتي، وأنا متربصه. ولا يسرنكم ذلك لعدم حصول ما تتمون بعدي.

٣٢ - {أَمْ تَأْمُرُهُمْ}؛ أي: بل أتأمرهم {أَحْلَامُهُمْ}؛ أي: عقولهم السخيفة السفيهة {بِهَذَا} المقال المتناقض، حيث قالوا في حقّ الرسول: هو كاهن مجنون شاعر. فإنّ الكاهن يكون ذا فطنة، ودقة نظر في الأمور، والمجنون مغطى عقله مختل فكره، والشاعر ذو كلام موزون، متسق، مخيل فكيف يجتمع أوصاف هؤلاء في رجل واحد. فالشاعر غير الكاهن وغير المجنون (٣). وفرق عظيم بين من زال عقله، ومن يقول الشعر الحكيم الرصين، ومن يجعل قوله حجة في معرفة أخبار الغيب، ويعقد أن الجن توحي إليه بما يقول.

وقصارى هذا: أنهم لا أحلام لهم ولا عقول، فدع تفوههم بهذه الأقوال الزائغة المتناقضة. وفي الآية إشارة إلى التربص في الأمور، ودعوة الخلق إلى الله تعالى، والتوكل على الله فيما يجري على عباده، والتسليم لأحكامه في المقبولين والمردودين. إذ كل يجري على ما قضاه الله تعالى.

ثم ذكر السبب الحق في كل ما يعملون، فقال: {أَمْ هُمْ}؛ أي: بل أهم {قَوْمٌ طَاغُونَ}؛ أي: مجاوزون الحدود في المكابرة والعناد مع ظهور الحقّ، لا يحومون حول الرشد والسداد. ولذلك يقولون ما يقولون من الأكاذيب الخارجة عن دائرة العقول والظنون، أي: بل الحق أن الذي حملهم على أن يقولوا ما قالوا هو طغيانهم، وعنادهم، وضلالهم عن الحق. وقرأ مجاهد (٤) {بل هم} مكان {أم هم}.


(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.