للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ربهم لمن يشاء، ويربد شفاعتهم له، ويرضى عنه عمله ممن أخلص له في القول والعمل. وإذا كان هذا حال الملائكة، وهم عالم روحي، لهم القرب من ربهم، والزلفى لديه، فما بالكم بأصنام أرضية ميتة، لا روح فيها ولا حياة، فهي بعيدة كل البعد عن الذات الأقدس.

وخلاصة ذلك: أنّهُ لا مطمع في شفاعة هذه الأصنام، ولا تجديهم نفعًا في هذا اليوم. وقرأ الجمهور (١): {شَفَاعَتُهُمْ} بإفراد الشفاعة، وجمع الضمير. وقرأ زيد بن عليّ {شفاعته} بإفراد الشفاعة، والضمير. وابن مقسم {شفاعاتهم} بجمعها، وهو اختيار صاحب الكامل؛ أي: القاسم الهذلي. وأفردت الشفاعة في قراءة الجمهور، لأنّها مصدر، ولأنهم لو شفع جميعهم لواحد لم تغن شفاعتهم عنه شيئًا.

٢٧ - {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ}؛ أي: لا يصدقون بمجيء يوم القيامة مع ما فيه من الحساب والعقاب على ما يتعاطونه من الكفر والمعاصي {لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ} المنزهين عن سمات النقصان على الإطلاق؛ أي: كل منهم يسمون كل واحد منهم {تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} منصوب (٢) على أنه صفة مصدر محذوف؛ أي: تسمية مثل تسمية الأنثى. فإنَّ قولهم: الملائكة بنات الله قول منهم: بأن كلا منهم بنته تعالى. وهي التسمية بالأنثى. فاللام في الملائكة للتعريف الاستغراقيّ، وفي تعليقها بعدم الإيمان بالآخرة إشعار بأنها في الشفاعة، والفظاعة. واستتباع العقوبة في الآخرة بحيث لا يجترىء عليها إلا من لا يؤمن بها رأسًا.

قال ابن الشيخ: فإن قيل: كيف يصح أن يقال: إنّهم لا يؤمنون بالآخرة؟ مع أنهم كانوا يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وكان من عادتهم أن يربطوا مركوب الميت على قبره، ويعتقدون أنه يحشر عليه.

أجيب: بأنهم ما كانوا يجزمون به، بل كانوا يقولون لا نحشر. فإن كان .. فلنا شفعاء بدليل ما حكى الله عنهم: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى}، وأيضًا ما كانوا يعترفون بالآخرة على الوجه الذي وردت به الرسل، فهم لا يؤمنون بها على وجهه.


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.