للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١): أي إن هؤلاء الذين لا يؤمنون بالبعث وما بعده من أحوال الدار الآخرة على الوجه الذي بينته الرسل يضمون إلى كفرهم مقالة شنعاء، وجهالة جهلاء. وهي قولهم: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

وإنما جعلها مقالة من لا يؤمن للإشارة إلى أنها بلغت من الفظاعة حدًّا لا يمكن معه أن تصدر من موقن بالجزاء والحساب، فقد اشتملت على جريمتين. أولاهما: نسبة الولد إلى الله. ثانيتهما: أن الولد أنثى تفضيلًا لأنفسهم على بارئهم وموجدهم من العدم.

٢٨ - وقوله: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} حال من فاعل {يسمّون}؛ أي: يسمُّونهم أنثى، والحال أنه لا علم لهم بما يقولون أصلًا؛ أي: ليس لهم بذلك برهان، ولا أتى لهم به وحي، حتى يقولوا ما قالوا. وقرىء {وما لهم بها}؛ أي: بالملائكة أو التسمية.

ثم أكد نفي علمهم الحق بذلك، فقال: {إِنْ يَتَّبِعُونَ}؛ أي: ما يتبعون في ذلك {إِلَّا الظَّنَّ} الفاسد، وليس هذا تكرارًا مع ما سبق؛ لأنَّ الأول متصل بعبادتهم اللات والعزى ومناة، وهذا بعبادتهم الملائكة كما سبق بيانه.

{وَإِنَّ الظَّنَّ} أي (٢): جنس الظن، كما يلوح به الإظهار في مقام الإضمار. {لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} من الإغناء. فإن الحق الذي هو عبارة عن حقيقة الشيء لا يدرك إدراكًا معتبرًا إلا بالعلم، والظن لا اعتداد به في شأن المعارف الحقية، وإنما يعتد به في العمليات، وما يؤدي إليها كمسائل علم أصول الفقه. وفيه ذم للظن، ودلالة على عدم إيمان المقلد. وقيل: الحق بمعنى العلم؛ أي: لا يقوم الظن مقام العلم. وقيل: الحق بمعنى العذاب؛ أي: إن ظنهم لا ينقذهم من العذاب.

والمعنى (٣): أي إنَّ معرفة الشيء معرفة حقيقية يجب أن تكون عن يقين، لا عن ظن وتوهم، وأنتم لا تتبعون فيما تقولون في هذه التسمية إلا الظن والتوهم، وليس هذا من سبيل العلم في شيء. وقد جاء في الصحيح: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.