للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مالك ذلك يضل من يشاء، يهدي من يشاء ليجزي المسيء بإساءته والمحسن بإحسانه. وقيل (١): متعلّقة بما دلّ عليه {أعلم} ... إلخ، وما بينهما اعتراض مقرر لما قبله. فإن كون الكل مخلوقًا له تعالى مما يقرر علمه تعالى بأحوالهم {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}. كأنه قيل: فيعلم ضلال من ضل واهتداء من اهتدى، ويحفظهما ليجزى الذين أساؤوا، وضلّوا.

{بِمَا عَمِلُوا} أي: بعقاب ما عملوا من الشرك والضلال الذي عبَّر عنه بالإساءة بيانًا لحاله. شبه نتيجة علمه بكل واحد من الفريقين. وهي مجازاته على حسب حاله بعلته الغائية. فأدخل لام العلة عليها، وصح بذلك تعلقها بقوله: {أعلم}.

{وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا}؛ أي: وحدوا، واهتدوا {بِالْحُسْنَى}؛ أي: بالمثوبة الحسنى التي هي الجنة. والباء لتعدية الجزاء أو بسبب أعمالهم الحسنى، فالباء للسببية والمقابلة. وإنما قدر على مجاراة المحسن والمسيء إذا كان كثير الملك كامل القدرة، فلذلك قال: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}. والحسنى تأنيث الأحسن. وقرأ زيد بن عليّ {لنجزي} بالنون فيهما. وقرأ الجمهور بالياء فيهما.

ومعنى الآية (٢): أي إنّ ما في السموات وما في الأرض تحت قبضته وسلطانه، وله التصرف فيه خلقًا، وملكًا، وتدبيرًا. فهو العليم به، لا تخفى عليه خافية من أمره. فلا تظنوا أنه يهمل أمركم، كلًّا فإنه مجار كل نفس بما كسبت من خير أو شر. وهذا ما عناه سبحانه بقوله: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا ...} إلخ؛ أي: فهو يجازي بحسب علمه المحيط بكل شيء. المحسن بالإحسان" ويدخله جنّات تجري من تحتها الأنهار، ويمتعه بنعيم لا يخطر على قلب بشر. والمسيء بصنيع ما أساؤوا، وبما دسى به نفسه من ضروب الشرك والمعاصي، وبما ران على قلبه من كبائر الذنوب والآثام. وقد أصله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوةً.

٣٢ - ثم وصف هؤلاء المحسنين، فقال: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ}؛ ويبتعدون


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.