للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتبعته العبور؛ فعبرت المغيرة، ولقب سهيلًا، وأقامت الغميصاء فبكت لفقد سهيل؛ فغمصت عينها؛ أي: كانت أقل نورًا من العبور وأخفى. والغمص في العين ما سأل من الرمص. يقال: غمصت عينه بالكسر غمصًا. وكانت خزاعة تعبد الشعرى. سن لهم ذلك أبو كبشة رجل من أشرافهم. فقال: لقومه: إن النجوم تقطع السماء عرضًا، وهذه تقطعها طولًا، فليس شيء مثلها. فعبدتها خزاعة، وخالف أبو كبشة قريشًا في عبادة الأوثان، ولذلك كانت قريش تقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويسمونه: ابن أبي كبشة تشبيهًا له به، لا يريدون بذلك اتصال نسبه إليه، وإن كان الأمر كذلك؛ لأن أبا كبشة من أجداده - صلى الله عليه وسلم - من قبل أمه. ومن ذلك قول أبي سفيان حين دخوله على هرقل: لقد أمِر أمر ابن أبي كبشة، بل يريدون بذلك موافقته - صلى الله عليه وسلم - له في ترك عبادة الأوثان؛ وإحداث دين جديد. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كما وافق أبا كبشة في مخالفة قريش بترك عبادة الأوثان خالفه أيضًا بترك عبادة الشعرى.

والمعنى (١): أي وأنه تعالى رب هذا الكوكب الوهاج الذي يطلع خلف الجوزاء في شدة الحر. فاعبدوه، ولا تعبدوا الشعرى. وإنما خصها بالذكر من بين الأجرام السماوية، وفيها ما هو أكبر منها جرمًا، وأكثر ضوءًا لأنها عبدت من دون الله في الجاهلية. فقد عبدتها حمير، وخزاعة؛ كما مر آنفًا. ومن العرب من كانوا يعظمونها، ويعتقدون أن لها تأثيرًا في العالم، ويتكلمون على المغيبات حين طلوعها. وهي شعريان. إحداهما: شامية. وهي التي في الذراع. وثانيتهما: يمانية، وهي خلف الجوزاء. وهي المرادة في هذه الآية، وهي التي كانت تعبد من دون الله سبحانه وتعالى.

وفي هذا إشارة إلى فساد قول من قال من الناس: إن الفقر والغنى بكسب الإنسان واجتهاده. فمن كسب استغنى، ومن كسل افتقر. وبعضهم قال: إنّ ذلك بالبخت، وذلك بالنجوم. فردهم تعالى بقوله: هو تعالى محرك النجوم، ورب معبودهم الشعرى العبور.

٥٠ - {وَ} منه {أَنَّهُ} سبحانه وتعالى {أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} هي (٢) قوم هود عليه السلام, أهلكوا بريح صرصر. وعاد الأخرى إرم بن سام بن نوح؛ كما قال: {أَلَمْ


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.