للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إخوانك من الأنبياء الماضين، ونصرت أولياءهم، وأهلكت أعداءهم، فكذلك أفعل بك. فلا يكن قلبك في ضيقٍ وحرج مما رأيت من إصرار هؤلاء القوم على شركهم وعنادهم واستكبارهم.

٥٦ - والإشارة في قوله: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (٥٦)} إما للرسول. والنذير بمعنى المنذر؛ أي: هذا الرسول (١) محمد - صلى الله عليه وسلم - منذر لكم من عذاب الله، ومبشر لمن آمن منكم؛ أي: نذير كائن من جنس النذر المتقدمين. ووصفهم بالأولى على تأويلهم بالجماعة لمراعاة الفواصل. وقد علمتم أحوال قومهم المنذرين فلكم أيها المشركون ما لهم، كذا قال ابن جريج، ومحمد بن كعب، وغيرهما.

والمعنى: أي إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - منذر من حاد عن طريق الهدى، وسلك طريق الضلال والهوى بسيء العواقب في العاجل والاجل. وهو كمن قبله من الرسل الذين أرسلم ربهم لهداية خلقه، فكذبوهم، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر. وحل بهم البوار والنكال كفاء تكذيبهم وجحودهم آلاء ربهم ونعمه الذي تترى عليهم. ونحو الآية: {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا النذير العريان"، أي: الذي أعجله شدة ما عاين من الشر عن أن يلبس شيئًا، وبادر إلى إنذار قومه، وجاءهم مسرعًا. وإما إشارة إلى القرآن، والنذير بمعنى الإنذار؛ أي: هذا القرآن الذي تشاهدونه إنذار كائن من قبيل الإنذارات المتقدمة التي سمعتم عاقبتها، كذا قال قتادة، أو إلى ما سبق في السورة؛ أي: هذا الذي أخبرنا به من أخبار الأمم تخويف لهذه الأمة من أن ينزل بهم ما نزل بأولئك، كذا قال أبو مالك الغفاري، وقال أبو صالح: إنّ الإشارة بقوله: {هَذَا} إلى ما في صحف موسى وإبراهيم. والأول أولى. لأنه لما افتتح به أول السورة اختتم به - صلى الله عليه وسلم -.

٥٧ - ولما ذكر إهلاك من تقدم ذكره، وذكر قوله: {هَذَا نَذِيرٌ}: ذكر أن الذي أنذر به قريب الوقوع، فقال: {زِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧)}؛ أي؛ قربت الساعة الموصوفة بالقرب في قوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}، وهي القيامة، ودنت. وسماها ازفة لقرب قيامها كما في قوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} أخبرهم بذلك ليستعدوا لها.


(١) المراغي.