للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: على أمرٍ قد قدر في اللوح المحفوظ أنه يكون. وهو هلاك قوم نوح عليه السلام بالطوفان. وهذا هو الراجح؛ لأن كل قصة ذكرت بعد هذه القصة ذكر الله هلاك مكذبي الرسل فيها. فيكون هذا كناية عن هلاك قوم نوح، ولذلك ذكر نجاة نوح بعدها في قوله: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} فكلمة {عَلَى} هذا للتعليل؛ أي: التقى الماء لأجل أمر قد قدره الله في الأزل. وهو هلاكهم بالطوفان.

يقول الفقير: إنما وقع (١) العذاب بالطوفان العام؛ لأنَّ الماء إشارة إلى العلم، فلما لم ينتفعوا بعلم نوح عليه السلام في المدة الطويلة، ولم تغرق أرواحهم فيه أخذوا بالماء، حتى غرقت أجسادهم. وتأئير الطوفان يظهر في كل ثلاثين سنة مرة واحدة، لكن على الخفة. فيقع مطر كثير، ويغرق بعض القرى، والبيوت من السيل. وقرأ أبو حيوة {قُدِرَ} بتشديد الدال، والجمهور بتخفيفها.

والخلاصة (٢): أنّ الله أرسل ماء السحاب مدرارًا، وأخرج من الأرض ماء ثجاجًا، فالتقى الماءان، فأحدثا طوفانًا على وجه الأرض، فأغرق به قوم نوح , ونجا نوحًا بركوب سفينته التي بناها، كما أشار إلى ذلك في هود بالتفصيل.

١٣ - وأشار إليه هنا بقوله: {وَحَمَلْنَاهُ}؛ أي: نوحًا ومن آمن معه {عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ}؛ أي: على سفينة صاحبة أخشاب عريضة. فإن الألواح جمع لوح. وهو كل صحيفة عريضة خشبًا أو عظمًا. وكانت سفينة نوح من ساج. وهو شجر عظيم ينبت في أرض الهند.

{وَدُسُرٍ}؛ أي: ومسامير. جمع دسار (٣)، من الدسر. وهو الدفع الشديد، سمي به المسمار؛ لأنه يدسر به منفذها؛ أي: يدفع. قال في "عين المعاني": دسرت بها السفينة؛ أي: شدت، أو لأنّها تدسر أي: تدفع بالدقّ. فقوله: {ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} صفة للسفينة، أقيمت مقامها بأن يكنى بها عنها كما يكنى عن الإنسان بقولهم: هو مستوي القامة عريض الأظفار.

أي: وأنقذناه من الطوفان، فحملناه على سفينة ذات خشب ومسامير. وفي


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.