للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإنما كرر هذه الآية في هذه السورة للتنبيه والإفهام (١).

وقيل: إن الله سبحانه اقتص في هذه السورة على هذه الأمة أنباء الأمم، وقصص المرسلين، وما عاملهم به الأمم، وما كان من عقبى أمورهم وأمور المرسلين، فكان في كل قصة ونبأ ذكر للمستمع؛ أي: لو تذكر. وقيل: إنما كرر هذه الآية عند كل قصة بقوله: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}؛ لأنّ كل كلمة استفهام تستدعي أفهامهم التي ركبت في أجوافهم، وجعلها حجة عليهم. فاللام من {هل} للاستعراض، والهاء للاستخراج، قاله أبو بكر الوراق.

فائدة: ثم اعلم (٢): أن حكمة هلاك عاد بالريح اعتمادهم على قوتهم، والريح أشد الأشياء قوة. فاستأصلهم الله تعالى بها، حتى يحصل الاعتبار لمن بعدهم من القرون، فلا يعتمدوا على قواهم. وفيه إشارة إلى أن الريح هو الهواء المتحرك، فالخلاص من ذلك الهواء إنما هو بترك الهوى، ومتابعة الهدى، نسأل الله سبحانه من فضله ذلك.

قصة ثمود قوم صالح عليه السلام

٢٣ - {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) أي: بالإنذارات والمواعظ التي سمعوها من صالح عليه السلام، أو كذبوا بالرسل الذين بعثهم الله لخلقه، وهم وإن كذبوا صالحًا فحسب، لكن تكذيبه تكذيب لهم جميعًا لاتفاقهم على الأصول العامة للتشريع، وهي التوحيد، ومجيء الرسل، واليوم الآخر.

٢٤ - ثم فصل تكذيبهم، وحكى عنهم مقالهم فقال: {فَقَالُوا} في تكذيبه {أ} نتبع {بَشَرًا} أي: آدميًّا لا ملكًا {مِنَّا}؛ أي: كائنًا من جنسنا. وانتصابه بفعل يفسّره ما بعده. فأداة الاستفهام داخلة على الفعل، وإن كان تقديرًا كما هو الأصل. {وَاحِدًا}؛ أي: منفردًا لا تبع له, أو واحدًا من آحادهم، لا من أشرافهم. وتأخير (٣) هذه الصفة عن {مِنَّا} للتنبيه على أن كلا من الجنسية والوحدة مما يمنع الاتباع، ولو قدمت عليه .. لفاتت هذه النكتة. {نَتَّبِعُهُ} في أمره {إِنَّا إِذًا}؛ أي:


(١) الفتوحات.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.