للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: فتاتًا هشيمًا متكسرًا متحطمًا بعد يبسه؛ أي: مثل الحياة الدنيا كمثل الزرع يعجب الناظرين إليه لخضرته وكثرة نضارته، ثم لا يلبث أن يصير هشيمًا تبنًا كأن لم يكن. وحطام (١) صيغة مبالغة كعجاب.

وحاصل المعنى: أي ما مثل هذه الحياة الدنيا في سرعة فنائها وانقضائها على عجل، إلا مثل أرض أصابها مطر وابل فأنبتت من النبات ما أعجب الزراع، وجعلهم في غبطة وحبور وبهجة وسرور، وبينما هو على تلك الحال إذا هو يصوح، ويأخذ في الجفاف واليبس، ثم يكون هشيمًا تذروه الرياح. ونحو الآية قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤)}.

ثم ذكر عاقبة المنهمكين فيها، الطالبين لتحصيل لذاتها، المتهالكين في جمع حطامها، والمعرضين عنها الطالبين لرضوان ربهم. فقال: {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} لمن أقبل عليها، ولم يطلب بها الآخرة، وقدم ذكر العذاب لأنه من نتائج الانهماك فيما فصل من أحوال الحياة الدنيا {وَمَغْفِرَةٌ} عظيمة كائنة {مِنَ اللَّهِ} سبحانه {وَرِضْوَانٌ} كثير منه تعالى، لا يقادر قدره لمن أعرض عنها، وقصد بها الآخرة، بل الله تعالى لأن الدنيا والآخرة ليستا مقصودتين لأهل الله؛ أي: وفي الآخرة إما عذاب شديد دائم لمن انهمك في لذاتها، وأعرض عن صالح الأعمال، ودسّ نفسه بالشرك، والآثام، وإما مغفرة من الله ورضوان من لدنه لمن زكي وأخبت لربه وأناب إليه.

قَدِّمْ لِرِجْلِكَ قَبْلَ الْخَطْوِ مَوْضِعَهَا ... فَمَنْ عَلَا زَلَقًا عَنْ غِرَّةٍ زَلَجَا

ثم ذكر سبحانه بعد الترهيب والترغيب حقارة الدنيا، فقال: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}؛ أي: إلا كالمتاع الذي يغر ويخدع به الغير أي: إلا مثل (٢) المتاع الذي يتخذ من نحو الزجاج، والخزف مما يسرع فناؤه يميل إليه الطبع أول


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.