للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قدمتم لأنفسكم جنة سعتها كسعة السماوات والأرض.

ثم وصف سبحانه تلك الجنة بصفة أخرى، فقال: {أُعِدَّتْ}؛ أي: هيئت {لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ} سبحانه {و} بجميع {رُسُلِهِ} كافة عليهم الصلاة والسلام. ويجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة، وفيه (١) دليل على أن الجنة مخلوقة بالفعل كما هو مذهب أهل السنة، وأن الإيمان وحده كاف في استحقاقه إذ لم يذكر مع الإيمان شيء آخر، ولكن الدرجات بالأعمال، وفيه شيء لأن هذا مقيد بالأدلة الدالة على أنه لا يستحقها إلا من عمل بما فرض الله عليه، واجتنب عما نهاه الله عنه، وهي أدلة كثيرة في الكتاب والسنة، ولأن الإيمان بالرسل لا يكمل إلا بالإيمان بما في أيديهم من الكتب الإلهية والعمل بما فيها.

والإشارة في قوله: {ذَلِكَ} إلى ما وعد الله من المغفرة والجنة {فَضْلُ اللَّهِ} وعطاؤه. وهو ابتداء لطف بلا علة {يُؤْتِيهِ}؛ أي: يعطيه تفضلًا وإحسانًا {مَنْ يَشَاءُ} إيتاءه إياه من غير إيجاب، لا كما زعمه أهل الاعتزال؛ أي (٢): هذا الذي أعده الله تعالى لهم هو من فضله ورحمته ومنته عليهم، وفي الصحيح: أن فقراء المهاجرين قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور "الأموال" بالأجور والدرجات العلا، والنعيم المقيم، قال: "وما ذاك؟ " قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون ولا نتصدّق، ويعتقون ولا نعتق، قال: "أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه .. سبقتم من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم، تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين"، قال: فرجعوا فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال ما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".

{وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}؛ أي: والله واسع العطاء، عظيم الفضل، فيعطي من يشاء ما شاء كرمًا منه وفضلًا، ويبسط له الرزق في الدنيا، ويهب لهم النعم، ويعرفهم مواضع الشكر، ثم يجزيهم في الآخرة ما أعده لهم مما وصفه قبل.

٢٢ - ثم بين سبحانه أن ما يصاب به العباد من المصائب، قد سبق بذلك قضاؤه


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.