للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الدُّنْيَا} الآية، بخلافه ثَمَّ.

وفي الآية: دليل على أن جميع الحوادث الأرضية قبل دخولها، كذا جميع أعمال الخلق بتفاصيلها مكتوبة في اللوح المحفوظ، ليستدل الملائكة بذلك المكتوب على كونه تعالى عالمًا بجميع الأشياء قبل وجودها، وليعرفوا حلمه؛ فإنه تعالى مع علمه أنهم يقومون على المعاصي خلقهم، ورزقهم وأمهلهم، وليحذروا من أمثال تلك المعاصي، وليشكروا الله تعالى على توفيقه إياهم للطاعات وعصمته إياهم من المعاصي، وفيها دليل أيضًا على أنه تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها؛ لأن إثباتها في الكتاب قبل علمها محال، ولو سأل سائل: أن الله تعالى هل يعلم عدد أنفاس أهل الجنة؟ يقال له: إن الله يعلم أنه لا عدد لأنفاسهم.

والمعنى (١): أي ما أصابكم أيها الناس من مصائب في آفاق الأرض كقحط وجدب وفساد زرع، أو في أنفسكم من أوصاب وأسقام إلا في أم الكتاب من قبل أن نبرأ هذه الخليقة.

{إِنَّ ذَلِكَ}؛ أي: إثباتها في كتاب مع كثرتها {عَلَى اللَّهِ} متعلق بقوله: {يَسِيرٌ} غير عسير لاستغنائه فيه عن العدة والمدة، وان كان عسيرًا على العباد. والمعنى؛ أي: إن علمه بالأشياء قبل وجودها وكتابته لها طبق ما توجد في حينها يسير عليه تعالى؛ لأنه يعلم ما كان، وما سيكون وما لا يكون، أخرج الحاكم وصححه عن أبي حسان: أن رجلين دخلا على عائشة رضي الله عنها، فقالا: إن أبا هريرة يحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار"، فقالت: والذي أنزل القرآن على أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - ما كان يقول هكذا، كان يقول: "كان أهل الجاهلية يقولون: إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار". ثم قرأ: و {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}.

ففي الآية (٢): توطين للنفوس على الرضا بالقضاء والصبر على البلاء، وحمل لها على شهود المبتلى في عين البلاء، فإن به يسهل التحمل، وإلا فمن كان غافلًا عن مبدأ اللطف، والقهر فهو غافل في اللطف والقهر، ولذا تعظم عليه المصيبة،


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.