للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فرقة نجا منهم ثلاث وهلك سائرهم، فرقة من الثلاث وازت الملوك، وقاتلتهم على دين الله، ودين عيسى ابن مريم صلوات الله عليه، فقتلتهم الملوك، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك، فأقاموا بين ظهراني قومهم يدعونهم إلى دين الله، ودين عيسى ابن مريم صلوات الله عليه، فقتلتهم الملوك بالمناشير، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك، ولا بالمقام بين ظهراني قومهم يدعونهم إلى دين الله، ودين عيسى ابن مريم صلوات الله عليه فلحقوا بالبراري، والجبال فترهبوا فيها، فهو قول الله عَزَّ وَجَلَّ {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} الآية. فمن آمن بي، واتبعني وصدقني فقد رعاها حق رعايتها، ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الفاسقون".

{فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا} ... الآية؛ أي: فأعطينا الذين آمنوا منهم إيمانًا صحيحًا طبعت آثاره في أعمالهم، فزكوا أنفسهم وأخبتوا لربهم، وأدوا فرائضه أجورهم التي استحقوها كفاء ما عملوا، وكثير منهم فسقوا عن أمر الله واجترحوا الشرور والآثام، وظهر فسادهم في البر والبحر، بما كسبت أيديهم فكبكبوا في النار، وباءوا بغضب من الله، ولهم عذاب عظيم.

٢٨ - ثم أمر سبحانه المؤمنين بالرسل المتقدمين بالتقوى والإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}؛ أي: بالرسل المتقدمة {اتَّقُوا اللَّهَ} فيما نهاكم عنه {وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ}؛ أي: بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وفي إطلاقه إيذان بأنه علم فرد له في الرسالة لا يذهب الوهم إلى غيره. {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ}؛ أي: نصيبين {مِنْ رَحْمَتِهِ} بسبب إيمانكم برسوله بعد إيمانكم بمن قبله من الرسل، لكن لا على أن شريعتهم باقية بعد البعثة بل على أنها كانت حقًّا قبل النسخ. ونقل عن الراغب: الكفل: الحظ الذي فيه الكفالة، كأنّه تكفل بأمره، والكفلان هما النصيبان المرغوب فيهما بقوله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} انتهى.

وقيل (١): النداء في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} نداء لمن آمن به من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فمعنى {آمَنُوا}: داوموا واثبتوا على إيمانكم، وهكذا المعنى في كل أمر يكون المأمور متلبسًا بما أمر به يؤتكم كفلين. قال أبو موسى الأشعري: {كِفْلَيْنِ} ضعفين بلسان الحبشة، انتهى.


(١) البحر المحيط.