للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من حيث مهاجرتهم إليهم لمحبتهم الإيمان، ولأن الله وحبيبه أحباؤهم، وحبيب الحبيب حبيب. {وَلَا يَجِدُونَ}؛ أي: ولا يجد الأنصار {فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً}؛ أي: وجدًا وحسدًا وغيظًا وحزازة {مِمَّا أُوتُوا}؛ أي: مما أوتي المهاجرون دونهم، من الفيء وغيره بل طابت أنفسهم بذلك. وفي الكلام مضاف محذوف؛ أي: لا يجدون في صدورهم مس حاجة أو أثر حاجة، وكل ما يجد الإنسان في صدره مما يحتاج إليه .. فهو حاجة. وكان المهاجرون في دور الأنصار، فلما غنم النبي - صلى الله عليه وسلم - بني النضير .. دعا الأنصار وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين، من إنزالهم إياهم في منازلهم، وإشراكهم في أموالهم، ثم قال: إن أحببتم قسمت ما أفاء الله علي من بني النضير بينكم وبين المهاجرين، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم والمشاركة لكم في أموالكم. وإن أحببتم أعطيتهم ذلك وخرجوا من دياركم. فرضوا بقسمة ذلك في المهاجرين، وطابت أنفسهم.

{وَيُؤْثِرُونَ}؛ أي: يقدمون المهاجرين، فالمفعول محذوف. والإيثار (١): تقديم الغير على النفس في حظوظ الدنيا رغبة في حظوظ الآخرة. يقال: آثرته بكذا؛ أي: خصصته به. أي: ويقدم الأنصار المهاجرين {عَلَى أَنْفُسِهِمْ} في كل شيء من أسباب المعاش، جودًا وكرمًا، حتى إن من كان عنده امرأتان كان ينزل عن إحداهما، ويزوجها واحدًا منهم. والإيثار أيضًا: عطاؤك ما أنت تحتاج إليه. وفي الخبر: "لم يجتمع في الدنيا قوم إلا وفيهم أسخياء وبجلاء إلا في الأنصار، فإن كلهم أسخياء، ما فيهم من بخيل. {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}؛ أي: حاجة وخلة وفقر. مأخوذة من خصاص البيت، وهي: الفرج التي تكون فيه. شبه حالة الفقر والحاجة ببيت ذي فرج في الاشتمال على مواضع الحاجة. والخص: بيت من قصب وشجر. وجملة قوله: {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} في محل نصب على الحال.

وعن أنس رضي الله عنه: أنه قال: (أهدي لرجل من الأنصار رأس شاة، وكان مجهودًا، فوجه به إلى جار له زاعمًا أنه أحوج إليه منه، فوجه جاره أيضًا إلى آخر، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداول ذلك الرأس سبعة بيوت إلى أن رجع إلى المجهود الأول).


(١) الشوكاني.