للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حرص نفسه. وقال سعيد بن جبير: شح النفس: أخذ الحرام، ومنع الزكاة. وقال ابن زيد: من لم يأخذ شيئًا نهاه الله عنه، ولم يمنع شيئًا أمره الله بأدائه .. فقد وفي شح نفسه. وقال طاووس: البخل: أن يبخل الإنسان بما في يده، والشح: أن يشح بما في أيدي الناس. وقال ابن عيينة: الشح: الظلم. وقال الليث: ترك الفرائض وانتهاك المحارم.

والظاهر من الآية: أن الفلاح مترتب على عدم شح النفس بشيء من الأشياء التي يقبح الشح بها شرعًا، من زكاة أو صدقة أو صلة رحم أو نحو ذلك، كما تفيده إضافة الشح إلى النفس؛ أي: ومن يحفظ بتوفيق الله شحها وبخلها حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الإنفاق {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

والإشارة بقوله: {فَأُولَئِكَ} إلى {مَنْ} باعتبار معناها وهو مبتدأ وخبره {هُمُ الْمُفْلِحُونَ}؛ أي: فأولئك المحفوظون من الشح هم الفائزون بكل مطلوب، الناجون من كل مكروه. والفلاح اسم لسعادة الدارين. والجملة (١) اعتراض وارد لمدح الأنصار، والثناء عليهم. فإن الفتوة هي الأوصاف المذكورة في حقهم، فلهم جلائل الصفات ودقائق الأحوال؛ ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "آية الإيمان: حب الأنصار، وآية النفاق: بغض الأنصار". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "للهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار".

وقرأ الجمهور (٢): {يُوقَ} بسكون الواو وتخفيف القاف، من الوقاية. وقرأ ابن أبي عبلة، وأبو حيوة بفتح الواو وتشديد القاف. وقرأ الجمهور {شُحَّ نَفْسِهِ} بضم الشين. وقرأ ابن عمر، وابن أبي عبلة بكسرها.

والمعنى (٣): أي ومن يحفظوا أنفسهم من الحرص على المال والبخل به .. فأولئك هم الفائزون بكل مطلوب، الناجون من كل مكروه.

أخرج الترمذي وأبو يعلى وابن مردويه، عن أنس مرفوعًا: "لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان نار جهنم في جوف عبد أبدًا، ولا يجتمع الإيمان والشح في قلب عبد أبدًا".


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.