للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اجتمعوا بالأبدان وتوافقوا بالظواهر؛ لأن الله تعالى يقول: {تَحْسَبُهُمْ ...} إلخ.

{ذَلِكَ}: أي ما ذكر من تشتت قلوبهم {بِأَنَّهُمْ}؛ أي: بسبب أنهم {قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}؛ أي: لا يعقلون شيئًا حتى يعرفوا الحق، ويتبعوه وتطمئن به قلوبهم، وتتحد به كلمتهم، ويرموا عن قوس واحدة، فيقعون في تنبيه الضلال، وتشتت قلوبهم حسب تشتت طرقه وتفرق فنونه، وتشتت القلوب يوهن قواهم؛ لأن صلاح القلب يؤدي إلى صلاح الجسد، وفساده إلى فساده. كما قالوا: كل إناء يترشح بما فيه.

واعلم (١): أن الله تعالى ذم الكفار في القرآن بكل من: عدم الفقه والعلم والعقل. قال الراغب: الفقه هو: التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد. فهو أخصّ من العلم. والعلم: إدراك الشيء بحقيقته، وهو نظري وعملي، وأيضًا عقلي وسمعيّ. والعقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم، ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوى: عقل.

والمعنى (٢): أي ذلك التفرق من جراء أن أفئدتهم هواء، وأنهم لا يفقهون سر نظم هذه الحياة، ولا يعلمون أن الوحدة هي سر النجاح، ومن ثم تخاذلوا وتفرقت كلمتهم، واختلف جمعهم، واستهان بهم عدوهم، ودارت عليهم الدائرة.

١٥ - ثم أرشد إلى أن هؤلاء ليسوا ببدع في الكافرين بل قد سبقهم غيرهم ممن كان حقه أن يكون عبرة لهم، فقال: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: مثل اليهود من بني النضير كائن كمثل الذين من قبلهم؛ أي: صفتهم الغريبة وحالهم العجيبة، وهي ما وقع لهم من الإجلاء والذل كمثل وصفة وحال المشركين من أهل مكة فيما وقع لهم أيضًا يوم بدر من الهزيمة والأسر والقتل.

وقوله: {قَرِيبًا}: ظرف زمان متعلق بالاستقرار المحذوف الذي تعلق به {مِنْ قَبْلِهِمْ}. ولك أن تعلقه بـ {ذَاقُوا} المذكور بعده. وعلقه الزمخشري بمضاف مقدر في الخبر؛ أي: كوجود وحصول ووقوع مثل أهل بدر قريبًا.

أي: مثل اليهود من بني النضير فيما وقع لهم من الإجلاء والذل والمهانة


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.