للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واعلم (١): أن التفكر إما أن يكون في الخالق أو في الخلق:

والأول: إما في ذاته، أو في صفاته، أو في أفعاله. أما في ذاته .. فممنوع؛ لأنه لا يعرف الله إلا الله، إلا أن يكون التفكر في ذاته باعتبار عظمته وجلاله وكبريائه، من حيث وجوب الوجود ودوام البقاء، وامتناع الإمكان والفناء، والصمدية التي هي الاستغناء عن الكل. وأما في صفاته: فهو فيها باعتبار كمالها بحيث يحيط علمه بجميع المعلومات، وقدرته بجميع الأشياء، وإرادته بجميع الكائنات وسمعه بجميع المسموعات، وبصره بجميع المبصرات، ونحو ذلك. وأما في أفعاله: فهو فيها بحسب شمولها، وكثرتها، ومتانتها، ووقوعها على الوجه الأتم، كل يوم هو في شأن.

والثاني: إما أن يكون فيما كان من العلويات والسفليات، أو فيما سيكون من أهوال يوم القيامة وأحوال الآخرة إلى أبد الآباد.

والمعنى: أي وهذه الأمثال التي أودعناها القرآن، وذكرناها في مواضعها التي ضربت لأجلها واقتضاها الحال، من نحو قوله: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}، وقوله: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}، وقوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى ...} الآية .. جعلناها تبصرة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فمن الناس من وفقه الله واهتدى بها إلى سواء السبيل، وفاز بما يرضي ربه عنه، ومنهم من أعرض عنها وناى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، وأدخله في سقر، وما أدراك ما سقر؟ لا تبقي ولا تذر.

وقيل (٢): الخطاب في الآية للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمعنى عليه أي: لو أنزلنا هذا القرآن - يا محمد - على جبل لَمَا ثبت، ولتصدع من نزوله عليه، وقد أنزلناه عليك وثبتناك له، وقويناك عليه. فيكون على هذا من باب الامتنان على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.