للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أعمالهم وقبح فعالهم.

٥ - {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} عند ظهور جناياتهم بطريق النصيحة؛ أي: قال لهم واحد من المؤمنين: قد نزل فيكم ما نزل فتوبوا إلى الله ورسوله و {تَعَالَوْا} وأقبلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ} - صلى الله عليه وسلم -، بالجزم. جواب الأمر. أي: يدع الله لكم ويطلب منه أن يغفر بلطفه ذنوبكم، ويستر عيوبكم. وهو من إعمال الثاني. لأن {تَعَالَوْا} يطلب رسول الله مجرورًا بـ إلى؛ أي: تعالوا إلى رسول الله، و {يَسْتَغْفِرْ}: يطلب، فاعلًا، فأعمل الثاني، ولذلك رفعه وحذف من الأول، إذ التقدير: تعالوا إليه. {لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ}؛ أي: حركوها استهزاء لذلك، وأمالوها وعطفوها رغبة عن الاستغفار.

وقرأ مجاهد ونافع (١)، وأهل المدينة وأبو حيوة، وابن أبي عبلة، والمفضل، وأبان عن عاصم، والحسن ويعقوب بخلاف عنهما: {لووا} بفتح الواو مخففًا. وقرأ أبو جعفر، والأعمش، وطلحة، وعيسى، وأبو رجاء، والأعرج، وباقي السبعة بشدها للتكثير، واختار هذه القراءة أبو عبيد.

{وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ} من الصدود بمعنى الإعراض؛ أي: يعرضون عن القائل، أو عن الاستغفار. وجملة {يَصُدُّونَ} حال من ضمير الغائبين؛ لأن الرؤية بصرية، وأتت بالمضارع ليدل على استمرارهم. {وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} عن ذلك؛ لغلبة الشيطنة، واستيلاء القوة الوهمية، واحتجابهم بالأنانية وتصور الخيرية. وفي الحديث: "إذا رأيت الرجل لجوجًا معجبًا برأيه .. فقد تمت خسارته". والجملة أيضًا حال من فاعل الحالة الأولى، والمعنى: ورأيتهم صادين مستكبرين.

ومعنى الآية: أي وإذا قيل (٢) لجماعة المنافقين، كعبد الله بن أبيّ: هلموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلب لكم من ربكم غفران ذنوبكم .. صدوا وأعرضوا. قال الكلبي: لما نزل القرآن بصفة المنافقين .. مشى إليهم عشائرهم من المؤمنين وقالوا لهم: ويلكم افتضحتم بالنفاق وأهلكتم أنفسكم، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوبوا إليه من النفاق واسألوه أن يغفر لكم، فأبوا ذلك وزهدوا في الاستغفار، فنزلت الآية.

وقال ابن عباس: لما رجع عبد الله بن أبيّ من أحد بكثير من الناس، مقته


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.