للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فالرزق والكسوة لحق الزوجية، ولهن أجرة الرضاع إن امتنعن منه وطلبن ما ذكر {بِالْمَعْرُوفِ}؛ أي: بما يتعارفه الناس من غير إسراف ولا تقتير {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ} بالنفقة على الرضاع ولا تلزم {إِلَّا وُسْعَهَا}؛ أي: طاقتها وما يسعها وقدر ما أعطاها الله تعالى من المال.

وقوله (١): {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} تقييد لقوله {بِالْمَعْرُوفِ}؛ أي: هذه النفقة والكسوة الواجبتان على الأب بما يتعارفه الناس لا يكلف منها إلا ما يدخل تحت وسعه وطاقته لا ما يشق عليه ويعجز عنه.

وقيل: المراد لا تكلف المرأة الصبر على التقتير في الأجرة، ولا يكلف الزوج ما هو إسراف، بل يراعي القصد، وقرأ أبو رجاء شذوذًا: {لا تكلف} - بفتح التاء؛ أي: لا تتكلف، وارتفع نفس على الفاعلية، وحذفت إحدى التائين. وفي هذه الآية (٢): دليل على وجوب نفقة الولد على الوالد؛ لعجزه وضعفه، ونسبه تعالى إلى الأم؛ لأن الغذاء يصل إليه بواسطتها في الرضاع، وأجمع العلماء على أنه يجب على الأب نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم.

{لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}؛ أي: بأخذ ولدها منها بعد ما رضيت بما أعطي غيرها على الرضاع مع شدة محبتها له {وَلَا} يضار {مَوْلُودٌ لَهُ} وهو الأب {بِوَلَدِهِ}؛ أي: بطرح الولد عليه بعد إلف أمه، ولا يقبل ثدي غيرها مع أن الأب لا يمتنع عليها من الرزق والكسوة، فقوله: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ} راجع لقوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} وقوله: {وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} راجع لقوله: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} و {لا} في قوله: {لَا تُضَارَّ} يحتمل أن تكون نافية؛ فالفعل مرفوع على أنه بدل من {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ}، وأن تكون ناهية، فهو مجزوم.

قوله: {لَا تُضَارَّ} قرأ (٣) أبو عمرو، وابن كثير وجماعة، ورواه أبان عن


(١) الشوكاني.
(٢) القرطبي.
(٣) الشوكاني مع زيادة عن العكبري والجمل.