للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. وإحداث الأمر: إيجاده بعد أن لم يكن. فالأمر الذي يحدثه الله تعالى أن يقلب قلبه عما فعله بالتعدي إلى خلافه. فالظلم عبارة عن ضرر دنيوي يلحقه بسبب تعديه ولا يمكنه تداركه، أو عن مطلق الضرر الشامل للدنيوي والأخروي. ويخص التعليل بالدنيوي لكون احتراز الناس منه أشد واهتمامهم بدفعه أقوى. وقيل: {لَعَلَّ} معلقة لـ {تَدْرِي} عن العمل في اللفظ، فجملتها في محل نصب سادة مسد المفعولين. والمقصود من الكلام: التحريض على طلاق الواحدة أو الثنتين، والنهي عن الثلاثة. وقوله: {لَا تَدْرِي} خطاب للمتعدي بطريق الالتفات لمزيد الاهتمام بالزجر عن التعدي لا للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما توهم.

والمعنى: ومن يتعد حدود الله .. فقد أضر بنفسه؛ فإنك لا تدري أيها المطلق المتعدي بإيقاع الثلاث وبإخراجها من البيوت أن الله ربما يحدث في قلبك بعد ذلك الذي فعلت - من التعدي بإيقاع الثلاث - أمرًا يقتضي خلاف ما فعلت، فيبدل ببغضها محبة وبالإعراض عنها إقبالًا، ولا يمكنك تدارك ما فعلت من التعدي فتندم.

وفي الآية دلالة (١) على كراهة التطليق ثلاثًا بمرة واحدة؛ لأن إحداث الرجعة لا يمكن بعد الثلاث، ففي إيقاع الثلاث عون للشيطان، وفي تركها رغم له، فإن الطلاق من أهم مقاصده، كما روى مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه - أي: جنوده وأعوانه من الشياطين - فيفتنون الناس، فأعظمهم عنده الأعظم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول: نِعْمَ أنت"؛ أي: نِعم المضل أنت، أو الشرير أنت. فيكون (نِعم) بكسر النون فعل مدح حذف المخصوص به، أو نَعَمْ أنت ذاك الذي يستحق الإكرام، فيكون بفتح النون حرف إيجاب.

والخلاصة (٢): أن من يتعد حدود الله .. فقد أساء إلى نفسه؛ فإنه لا يدري


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.