للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي إيراده (١) صفة الرب توبيخ لهم، وتجهيل لما أن عصيان العبيد لربهم ومولاهم طغيان وجهل بشأن سيدهم ومالكهم وبمرتبة أنفسهم ودوام احتياجهم إليه في التربية. وقوله: {وَكَأَيِّنْ} مبتدأ، و {مِنْ قَرْيَةٍ} بيان له، و {عَتَتْ} خبر المبتدأ. {فَحَاسَبْنَاهَا} في الدنيا {حِسَابًا شَدِيدًا}؛ أي: ناقشناها في الحساب مناقشة شديدة، وضيقنا وشددنا عليها، وأخذناها في الدنيا بدقائق ذنوبها وجرائمها من غير عفو، بنحو القحط والجوع، والأمراض والأوجاع، والسيف وتسليط الأعداء عليها، وغير ذلك من البلايا مقدمًا معجلًا على استئصالها وذوقها العذاب الأكبر لترجع إلى الله تعالى؛ لأن البلاء كالسوط للسوق، فلم تفعل ولم ترفع رأسًا، فابتلاها الله بما فوق ذلك، كما قال: {وَعَذَّبْنَاهَا}؛ أي: استئصلناها بالعذاب {عَذَابًا نُكْرًا}؛ أي: استئصالًا عظيمًا منكرًا هائلًا منفرًا عنه بالطبع، لشدته وإيلامه، أو غير متوقع، فإنهم كانوا لا يتوقعونه، ولو قيل لهم .. لما يصدقونه. والقهر الغير المتوقع أشد ألمًا، واللطف الغير المتوقع أتم لذة، وهو العذاب العاجل بالاستئصال، بنحو الإغراق والإحراق، والريح والصيحة، فالنكر: الأمر الصعب الذي لا يعرف، والإنكار ضد العرفان. وقرأ الجمهور بسكون الكاف، وقرىء بضمها.

وقال مقاتل: حاسبنا أهلها في الدنيا على عملها بالأخذ الشديد، وعذبناها في الآخرة عذابًا منكرًا فظيعًا بجهثم. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير؛ أي: عذبنا أهلها في الدنيا عذابًا نكرًا، بالجوع والقحط والسيف، والخسف والمسخ، وحاسبناها في الآخرة حسابًا شديدًا على أعمالهم.

٩ - {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا}؛ أي: ضرر كفرها وثقل عقوبة معاصيها؛ أي: أحسته إحساس الذائق المطعوم. {وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا} هائلًا لا خسر وراءه؛ أي: وكان عاقبة أمرها هلاكًا في الدنيا وعذابًا في الآخرة فتجارتهم خسارة لا ربح فيها، لتضييعهم بضاعة العمر والصحة والفراغ يصرفها في المخالفات. والخسر وكذا الخسران في الأصل: انتقاص رأس المال، كما سيأتي.

١٠ - {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ} مع ذلك في الآخرة. ولام {لَهُمْ} لام التخصيص، لا لام النفع، كما في قولهم: دعا له، في مقابلة دعا عليه. {عَذَابًا شَدِيدًا} وهو عذاب


(١) روح البيان.